الحمد لله الذي أحيا القلوب بالإيمان، وشرح الصدور بالإسلام، ونور البصائر بالقرآن، نحمدك اللهم حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه على آلائك ونعمك التي لا تُعد ولا تُحصى، حمداً كما تحب وترضى، نحمدك اللهم على كل حال وفي كل آنٍ، لا يُحمد على مكروه سواك، أنت أهل الحمد والثناء، فلك الحمد في الأولى والآخرة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، خلق الإنسان، وعلمه البيان، وأرشده إلى طريق الطاعة والإيمان، وكره له الكفر والفسوق والعصيان، ووعده عند الطاعة بالجنان، وتوعده عند المخالفة بعذاب النيران.
وأشهد أن محمداً عبده المصطفى ونبيه المجتبى، اختاره الله جل وعلا لأن يكون خاتم الأنبياء والمرسلين، وجعله سيد الأولين والآخرين، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، ما من خير إلا وأرشدنا إليه، وما من شر إلا وحذرنا منه، وتركنا على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم، وسار على نهجهم إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! حديثنا اليوم هو عن الحرب على الإسلام، تلك التي تدور رحاها في كل مكان، والتي تمتد عبر التاريخ والزمان منذ قرون خلت.
وفي معركة بين الإسلام والكفر صاح القائد المسلم عندما اشتد كيد الأعداء مردداً: واإسلاماه!! يحيي بها قلبه، ويقوي بها قلبه، ويحمس بها جنده، وينظم بها صفه، ويدحر بها عدوه، وكانت هذه الصيحة تنبعث من أعماق القلب فتجد صداها في قلوب المؤمنين الذين تجري في دمائهم عزة الإسلام واستعلاء الإيمان والالتزام بهذا الدين العظيم.
فتحركت مع أصداء هذه الصيحة قوة الإيمان، ووحدة الإسلام، والغيرة على دين الله، والشدة على أعداء الله سبحانه وتعالى، فكانت الجولة للإسلام والمسلمين، وكان النصر والعزة والغلبة والتمكين.
واليوم تتردد هذه الكلمة، واليوم تُعاد وتكرر هذه الكلمة، وتملأ أجواء الفضاء، وتشق عنان السماء؛ يصرخ بها الأطفال الأبرياء، والفتية الأشداء، والرجال الأقوياء، والنساء، والضعفاء، تنطلق من إفريقيا السوداء، ومن قلب أوروبا البيضاء، ومن فلسطين السليبة، ومن كشمير الحزينة: أنى اتجهت إلى الإسلام في بلد تجده كالطير مقصوصاً جناحاه هذه الصيحات والصرخات تصم الآذان، وتنادي الإيمان، وتخاطب الوجدان، وتناشد الإنسان، ولكن لا ملبٍ ولا مجيب، إنها صيحة في واد ونفخة في رماد، فما تزال جراحات المسلمين تتوالى، وليس الحديث مقصوراً على المآسي، وإنما هو لبيان أن كل هذه المآسي إنما هي صورة واحدة متعددة الأشكال للهجمة الشرسة والحرب الضروس التي تمارس ضد الإسلام، ليست في ديار الكفر بل حتى في ديار الإسلام والمسلمين: قلبي يفيض أسىً وعيني تدمع والجسم من فرط الضنى متضعضع نار تمور بها الحشى مثالم يسري نياط القلب فهي تقطع حر يسام أذىً ويهتك عرضه قهراً فيالله كم ذا مفزع وفتاة طهر بالحجاب تلفعت عنها حجاب الطهر قسراً يُنزع وشباب حق بالهدى مستمسك يلقى عذاب الهون كيما يركع هذه هي الصورة التي تلامس الأسماع، وتواجه الأبصار في كل لحظة وآنٍ، وفي كل موطن وميدان، ولنا وقفات لكل واحدة منها تدمي القلوب، وكل واحدة منها تستثير الهمم، وتوقظ الغافلين.