إن النفس أمرها عجيب! فالنفس البشرية من أعظم المخلوقات التي جعلها الله عز وجل في كفة، والمخلوقات كلها في كفة أخرى؛ لبيان عظمتها، وعظمة خلق الله عز وجل لها، قال عز وجل: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ} [فصلت:53]، ففي كل الآفاق آيات، وفي النفس البشرية وحدها آيات كأنما تعدل تلك لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وقال عز وجل: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21]، فبعد أن ذكر الله عز وجل السماوات والأرض ذكر النفس البشرية العجيبة في تقلباتها وتغيراتها العجيبة عندما تتهذب وتتطهر كيف تقود إلى السمو الأخلاقي والمعاني الإنسانية، وإذا كانت على غير ذلك كيف تقود إلى كل سوء من الشحناء والبغضاء والظلم والاعتداء وغير ذلك.
وهنا صورة يرسمها بعض العلماء في مقالة طويلة أذكر بعض ومضات منها، يقول ابن القيم في صفة هذه النفس، واحتمالها لما أشارت إليه دلالات الآيات القرآنية للخير والشر، قال في قوله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس:7 - 8]: (في النفس كبر إبليس، وحسد قابيل، وعتو عاد، وطغيان ثمود، وحيل أصحاب السبت) ثم يذكر صوراً كثيرة يضيق المقام عن ذكرها، ثم شبه النفس ببعض صفات موجودة في البهائم، فقال: (وفيها من البهائم: حرص الغراب، ورعونة الطاووس، ودناءة الجعل، وحقد الجمل، ومكر الثعلب) إلى غير ذلك مما أورده، ثم قال: (فمن استرسل مع طبعه فإنه من هذا الجند، ولا تصلح سلعته لعقد: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [التوبة:111].
فما اشترى الله إلا نفساً هذبها الإيمان، وخرجت إلى بلد العابدين والتائبين، وذلك أمر مهم، كما ذكر ذلك ابن القيم أيضاً فقال: كيف يسلم من له زوجة لا ترحمه؟ وولد لا يعذره؟ وصاحب لا ينصحه؟ وعدو لا ينصفه؟ وجار لا يأمنه؟ وشريك لا ينصفه؟ وعدو لا ينام عن عداوته؟ ونفس أمارة بالسوء؟ ودنيا متزينة؟ وهوىً مرد؟ وشهوة غالبة له؟ وغضب قاهر؟ وضعف مستول عليه؟).
وكل هذا موجود: النفس والهوى والشيطان، ثم نحن اليوم قد ابتلينا ببلايا عظيمة جاءتنا من هذه القنوات الفضائية والمقالات الإباحية والسلوكيات الانحرافية والضلالات العالمية التي أصبحت تغزو الناس في عقر بيوتهم، وبعد ذلك كله نقول: إن أمر التربية هين! وإن أمر العناية بها ليس في الدرجة الأولى! أو يقول بعض الناس: إنه ينبغي ألا نخوض فيها وألا نتعرض لها! إن الأمر جد خطير، نسأل عز وجل أن يزكي نفوسنا، وأن يطهر قلوبنا، وأن يرشد عقولنا، وأن يهذب سلوكنا، وأن يصلح أعمالنا.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.