الحمد لله الكبير المتعال ذي العزة والجلال، الموصوف بصفات الكمال، له الحمد في الأولى والآخرة، وإليه المرجع والمآل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله للناس كافة، فأرشد به من بعد غواية، وكثّر به من بعد قلة، وأعز به من بعد ذلة، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جزى نبياً عن أمته، ووفقنا جميعاً لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وجعلنا من أهل شفاعته، وصلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم، ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71].
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! عند بداية العام الدراسي نتحدث عن العلم والتعليم، وحديثنا حقيقةً هو عن التربية والتعليم، وقد أشرت فيما مضى إلى أهمية العلم، واقترانه في منهج القرآن الكريم ودعوة صفوة الخلق أجمعين بالتزكية، وطهارة القلوب، وزكاة النفوس، واستقامة السلوك، ولعلنا هنا نؤكد هذه المعاني، ونوضحها ونجليها، ونحن نوجه حديثنا إلى المعلمين والمعلمات والمسئولين والمسئولات في وزارة التربية والتعليم؛ لأننا ندفع إليهم فلذات أكبادنا، ويقضون في أروقة المدارس والمعاهد في وقت قد يكون أكثر من الوقت الذي يقضونه معنا.
ونحن نريد أن يعلموهم العلوم المختلفة، وأن يسلحوهم بسلاح العلم في هذا العصر، لكنني أوقن أننا جميعاً نعنى كذلك بالقدر نفسه بتربيتهم، وبتزكيتهم، وبتقويم سلوكهم، وبحسن أخلاقهم.
ونحن نعول على تلك المدارس وعلى أولئك المعلمين والمعلمات أن يساعدونا معاشر الآباء والأمهات في صياغة شخصية أبنائنا، وإخراجهم إلى هذا المجتمع أسوياء، أتقياء، أنقياء، بعيدين عن طرفي التشدد والتسيب، بعيدين عن سلوك منحرف وخلق معوج.
ولا شك أننا عندما نجد في المعلم أو في المدرسة عناية بهذا الجانب نفرح به ونسعد، ونهش به ونستعد لأن نكمل دورنا ونقوم به، وإن وجدنا غير ذلك وجدنا المعاناة إذا نحن نقوم ونوجه، وربما لا نجد تعضيداً وتكاملاً من جهة المدرسة أو المعلم والمعلمة.
هذا الاسم: التربية والتعليم فيه تقديم التربية لبيان أهميتها، ومكانتها، ومنزلتها، بل وعظمتها وخطورتها، وإن عدم العناية بذلك الجانب لا يؤدي إلى المقاصد العظيمة التي ننشدها جميعاً لأبنائنا الذين هم أبناء اليوم وشباب الغد، ورجال المستقبل، وكلنا يدرك أن ذلك أيضاً لا يحقق الأهداف المنصوص عليها في سياسة التعليم، والتي تؤكد على صياغة الشخصية المؤمنة المسلمة، والتي تبرز أهمية السلوك والأخلاق في حياة الطلاب، ونحن ندرك ذلك، فنحن نعرف أن العلم معلومات ومهارات ووسائل واختبارات، لكن التربية هي نضج الفكر، واستقرار النفس، وحسن السلوك، فلا شك أن هذا له من العظمة ما لا يخفى.