العائق الثالث: التعظيم: وهو تعظيم الذنب الذي يوقعه الشيطان في نفسك، فيقول: وأنى لك التوبة؟ وكيف تحصل لك المغفرة وأنت قد فعلت؟ كيف وكيف وكيف؟ وقد اقترفت كذا وكذا، وقد تقحمت من المعاصي والذنوب الكبار ما لا يعلمه إلا الله؟ فقل له: اخسأ يا عدو الله! فإن أبواب التوبة مفتوحة، وإن الله عز وجل لا يتعاظمه ذنب.
وقد ورد في الحديث الصحيح من رواية أنس عن رسول الله عليه الصلاة والسلام عن رب العزة والجلال قال: (يا بن آدم! لو لقيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً؛ لقيتك بقرابها مغفرة ولا أبالي)، لا تستعظمن الذنب فإن استعظام غفران الذنب من الله عز وجل دليل على عدم معرفة الله، وعلى عدم الصلة الحقيقية الإيمانية بالله، ولذلك ينبغي ألا يصدك الذنب عن التوبة بل ينبغي أن يقودك الذنب إلى التوبة وما حيلة إبليس إلا بث اليأس في نفوس أهل الإيمان، ولا ييئس من رحمة الله إلا القوم الكافرون.
فينبغي أن نتذكر قول الله عز وجل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر:53]، ومن الذي يمنع رحمة الله أن تصيبك يا أخي المؤمن؟ ومن الذي يمنع قدرة الله عز وجل الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء أن يغفر ذنوبك وإن كانت مثل زبد البحر؟ أليس قد قال المصطفى عليه الصلاة والسلام فيما صح من رواية أنس عمن صلى ثم قال دبر صلاته: (سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، وختم تمام المائة بقوله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، قال: إلا غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)، فالله عز وجل لا يتعاظمه ذنب؛ فثق بعظمة مغفرة الله عز وجل، ولا يصدنك التعظيم إلا الشرك؛ فإن الله عز وجل قد قال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]، فتعرض لمشيئة الله، وانطرح بين يدي الله، ولا يغوينك التاريخ السابق والأعمال السابقة فإن الإسلام يجب ما قبله، وإن التوبة تجب ما قبلها، وإن الصلاة إلى الصلاة مكفرات لما بينهما ما اجتنبت الكبائر، وإن الحج يغفر الذنوب جميعاً ويرجعك بإذن الله عز وجل من ذنوبك كيوم ولدتك أمك، فلا تكن هذه الفرية وهذه الشبهة صادة لك عن التوبة.