إن الجهاد الذي يجري ماض في طريقه لن يوقفه أو يؤثر فيه دهاقنة السياسة مهما أوتوا من الذكاء، ولا أرباب الفنادق والمؤتمرات، إنما الذي أربك خطط الأعداء، وأقض مضاجعهم، وجعلهم يحركون الآلة العسكرية الضخمة في هذه الحروب الهائلة ليصلوا إلى تركيع الجميع، وليفرضوا على الجميع قضية واحدة هي همهم الأكبر اليوم كيف توقف المقاومة الجهادية المسلحة في وجه اليهود عليهم لعائن الله؟ كيف يسخر الجميع لهذا الغرض؟ كيف توظف جميع القوى والتجمعات والمجتمعان والدول والمؤسسات لتحقيق هذا الهدف؟ كيف يركع الجميع ليؤمن الرمز الوحيد والعمل الوحيد الذي صارت وأصبحت تخشاه قوى الصهيونية ومن يحالفها من الصليبيين؟ إنه وقد ثبت هذا بالواقع المعاش في الحدث القريب في العراق -وفيما قبله- لم تعد هناك خشية من دول ولا من جيوش، ولا من مقاومة اقتصادية، ولا مواجهة إعلامية، ولا مجابهة حضارية، ولكن العملة الصعبة، والرقم الذي خرج عن المعادلة، والصوت الذي شذ ونشز عن هذه الفرقة كلها هو: صوت المقاومة الإسلامية الجهادية الباسلة، فهل نسيناها؟ وهل نظن أن طي صفحتها سيحقق ما يزعمونه من السلام؟ وهل يكون فيه أثر ونفع وفائدة لأمة الإسلام أو للعرب أو للشرق الأوسط كما هو المسمى الجديد؟ يريدون الدولة اليهودية أن تدخل في هذا النسيج بلا تمييز في الدين، ولتدخل في هذا النسيج الشرق أوسطي بلا تمييز في اللغة، ولتدخل في هذا النسيج بلا أي صلة بالتاريخ، وذلك أمره خطير! وهنا لابد أن نذكر أمرين مهمين لكي يكون الوعي بهذه الأمور عظيماً وكاملاً: أولهما: وقف المقاومة: إن وقف المقاومة كما قال أبناؤها وأبطالها: أمر مستحيل بالنسبة لهم، إنه أمر موتهم أو حياتهم، إنه أمر وجودهم أو عدمهم، إنهم قد قرءوا القرآن وعرفوا حقائقه، وقرءوا التاريخ وعرفوا سننه وقضاياه، ثم عرفوا واقع اليهود اليوم الذين كذبوا كما كذب أسلافهم، وغدروا كما غدر أسلافهم، وما زالوا يمارسون أبشع أنواع الجرائم على سمع الزمان والدول والمجتمع كله دون أن يتحرك ساكن، ودون أن يجف حبر ما يقال من هذه القرارات الدولية التي تطبق -كما هو معروف- بمكيالين، بل أقول بمكيال واحد؛ لأنه لا مكيال آخر غيره.
القضية الثانية الخطيرة هي: قضية التطبيع؛ التطبيع الذي هو رفيق السلام، أو عربونه، أو شرطه الأول؛ إنه الاختراق الثقافي العقدي الديني، إنه كما وقع فيما سبق مما لم يكن مخفياً، ومما لم يكن بعيداً في زماننا هذا، قد وقع وأزيلت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وغيرت الخرائط الجغرافية؛ لتكون المناهج وفق النظرة الصهيوينة الصليبية الاستعمارية، وذلك قد وقع فيمن وقع وطبع، فهل يراد لذلك أن يعم؟ تلك هي النظرة الخطيرة التي ينبغي الالتفات إليها.
وأمر آخر وهو: التدمير الاقتصادي والهيمنة المالية التي يتقنها اليهود، والتي قد فعلوا بموجب تلك القرارات والاتفاقيات ما هو ظاهر للعيان مما يدل على عظمة خطورته.
أضف إلى ذلك ما وراء ذلك من الاختراقات الأمنية، ومعرفة ما في داخل المجتمعات العربية والإسلامية؛ لئلا يكون هناك من بعد أي قدرة على أي عمل أو فعل، وهي تلك الأهداف التي يرمي إليها ذلك التطبيع.
وأخيراً: التوطين لأبناء الأرض الذين شردوا ليستقروا في تلك البلاد التي هم فيها، أو ليهجروا إلى بلد واسع شاسع فيه ثروة نفطية، وفيه اليوم هيمنة استعمارية لتلف القضية، ولأن يكثر الصراخ وتصدع الرءوس بهؤلاء فليأكلوا وليشربوا، ولتنفق الدول عليهم، وليس هذا اليوم أيضاً؛ بل منذ أكثر من نحو عقد من الزمان عقد مؤتمر لشباب الشرق الأوسط -كما هو إعلانه- يجتمع فيه شباب من أرض فلسطين وغير فلسطين من بلاد العرب مع غيرهم من اليهود، مع بعض المجتمعات من بلاد الغرب؛ ليعطوا توصية للشباب وآمالهم وطموحاتهم المستقبلية، إنه على المجتمع الدولي أن يقوم بمهماته ومسئولياته الإنسانية تجاه هؤلاء المشردين في الأرض، وينبغي أن يخيروا في الاستيطان، وأن ينقلوا من تلك المخيمات غير الإنسانية لتوفر لهم أسباب الحياة المادية، ولتطوى الصفحة بعيداً عن الأرض التي انتزعها اليهود غصباً بالقوة العسكرية، وحيلة بالشراء والممارسات الاقتصادية، وهذه القضية اليوم هي قضية المسلمين الأولى كما كانت من قبل، فلعلنا نعي وننتبه إلى ذلك.
نسأل الله عز وجل أن يبصرنا بحقائق ديننا، وأن يعرفنا بالمخاطر التي تحدق بأمتنا، ونسأله جل وعلا أن يصرف عنا وعن أهل الإسلام في كل مكان الشر والضر؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.