هذا مسلك ثالث وطريق ثالث من الطرق التي تفتن وتصرف عن منهج الله عز وجل: فتنة النساء: قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) وأخبر كما صح عنه: وأن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)، وننظر في ذلك فنرى هذه الفتنة اليوم قد عمت، وإذا بطيف وطوفان يجرف ويذكي فتنة النساء في مجتمعات المسلمين، وإذا بك ترى هذه الفتنة عند كثير من المسلمين، تظهر في شعرهم ونثرهم وغنائهم وتمثيلهم ورقصهم، وعلى صفحهم ومجلاتهم، لقد جعلوا هذه الفتنة محور حياة يومية يصرفون بها القلوب، ويخطفون بها الأبصار، ويفتنون بها النفوس، حتى تسرب إليها هذا داء الشهوة المحرمة الآثمة.
فلا يكاد يسلم امرؤ من سماع أو رؤية وإن تحرج واحتاط إلا من رحم الله، فنسأل الله السلامة لقلوبنا من هذه الفتن.
وهذه الفتنة أمثلتها كثيرة، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من قصص بني إسرائيل على وجه الخصوص ما يبين لنا عظمة هذه الفتنة.
فهذا ابن حبان يروي في صحيحه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قصة لعابد من عباد بني إسرائيل، عبد الله عز وجل في صومعته ستين سنة، فأمطرت الدنيا واخضرت الأرض، فقال: لو خرجت من صومعتي وذكرت ربي، فخرج فلقي امرأة فكلمها وكلمته حتى غشيها -أي: حتى فعل بها الفاحشة- فأغمي عليه، ثم خرج يغتسل في ماء هناك، فقبض ومات على حاله تلك.
قال بعض السلف رضوان الله عليهم: لو استؤمنت على بيت مال المسلمين لأمنت نفسي، ولو استؤمنت على جارية سوداء أخلو بها ما أمنت نفسي! وهذا يدل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)، وتحذيرات النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كثيرة، والله عز وجل قد حذر من ذلك وقال: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء:32].
ونجد أن العقوبة التي جعلها الله عز وجل لمرتكب هذه الفاحشة شديدة قاسية؛ حتى تكون رادعاً ومانعاً لهذا الباب العظيم من أبواب الفتنة؛ لأنه إذا انفتح على الأمة أوقع فيها من الفساد واختلال الأمن وشيوع الانحلال وكثرة الاضطراب ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، وشاهده الحديث الذي يرويه الإمام أحمد بسند حسن عن ميمونة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا، فإذا فشا فيهم ولد الزنا فيوشك أن يعمهم الله بالعذاب)، وفي رواية في مسند أبي يعلى: (لا تزال أمتي بخير متماسك أمرها ما لم يظهر فيهم ولد الزنا).
والأمر في ذلك يطول، والحديث عنه يكثر، وهذه الفتنة من أعظم الفتن، ولها طلاب كثر، ليس لهم هم إلا نيل هذه الفتنة وقصد هذه الشهوة الآثمة.