ثلاثية التعامل

ثلاثية التعامل أعني بها: كيف تتعامل مع الناس في أمور الحياة المعتادة، وذكرت فيها ثلاثة أمور: البساطة، والصراحة، والسماحة.

أما البساطة: فهي البعد عن التكلف، وقد ورد في حديث النبي عليه الصلاة والسلام الذي رواه الإمام أحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه عن أبي أمامة (البذاذة من الإيمان).

والبذاذة معناها رثاثة الهيئة، وترك الترفه وإدامة التزين والتنعم في البدن والملبس، والمقصود بها ترك المبالغة في الأناقة والمظاهر.

نجد اليوم عند الناس مبالغة في العناية بالمظاهر عموماً، سواء مظاهر المركب، أو مظاهر الملبس، أو مظاهر المسكن، وضاع في ذلك كثير من الأموال.

فالإنسان اليوم هو مع نفسه شيء، وهو مع الناس شيء آخر، يلبس لهم لباساً، ويبني لهم مسكناً، وكأنه شيء آخر، وتعقدت الحياة بسبب ذلك، فلذلك تجد بعض الناس أصبح أسيراً للمظاهر، وإذا أنكرت عليه شيئاً أو وجهته إلى شيء يقول: كيف أصنع، لا أستطيع أن أترك هذا، أو لا أستطيع أن أفعل هذا! لماذا؟ يقول لك: سيقول الناس كذا، أقول: يا أخي! كن مع الناس على البساطة، فإذا جاءك الضيف فأعطه الجود من الموجود، والإكرام ليس في الطعام، وإنما الإكرام بالاستقبال والتقدير والاحترام، فهذه المبالغات التي شاعت بين الناس أعطوها من القدر والحجم ما هو زائد عن الحد، ولا أعني بذلك ترك الأمور المشروعة، فالمداراة والمجاملة في الأمور المعقولة المحدودة مطلوبة شرعاً، وإكرام الضيف، وحسن الهيئة، كل ذلك مطلوب، لكن المقصود به ألا يتجاوز الحدود؛ لأن عدم البساطة يؤدي إلى العجب والفخر والتكبر.

فإذا قصد بعدم مبالغته وتكلفه ألا يبخل في هذا الجانب، وأن يؤثر القصد والتوسط ونحو ذلك؛ فإن هذا أمر مطلوب ومحمود.

أما الصراحة فهي مهمة، وكما يقولون: الصراحة راحة، بعض الناس يتعود في معاملته للناس ألا يصارحهم، فيحرجونه بطلب شيء فلا يستطيع أن يقول: لا أستطيع، سبحان الله! يا أخي كن مع الناس بصراحة ووضوح مع الأدب ومع حسن العرض، ومع كمال الإجلال، ومع توافر الاحترام.

ولا تعني الصراحة البذاءة بحال من الأحوال؛ لأن الصراحة نوع من الصدق مع حسن المعاملة، لكن بعض الناس على حياء زائد عن الحد، فلا يملك أن يقول: لا، إذا كان لا يستطيع، ولا يملك أن يقول: نعم لشيء يريده أحياناً، فينبغي أن نتذكر حديث أسماء بنت يزيد لما قالت: (يا رسول الله! إحدانا تقول للشيء تشتهيه: لا أشتهيه، أيعد هذا كذباً؟ قال: إن الكذب يكتب كذباً حتى تكتب الكذيبة كذيبة).

فلماذا يا أخي تكلف نفسك ما لا تطيق، ولماذا تقول بلسانك ما ليس في قلبك، ولماذا تظهر من حالك ما ليس في الحقيقة؟! أضف إلى ذلك أن المجاملة التي تعارض هذه الصراحة تذهب أمراً مهماً، وهو واجب النصيحة، فالذي لا يتعود على الصراحة لا يستطيع أن ينصح؛ لأن الصراحة فيها إقامة للحق وبذل للنصح، فإذا كان لك صديق حبيب بينك وبينه مودة ومحبة، تجد أنك أحياناً تحرج منه، فيخطئ فلا تقول له إنك أخطأت، ويقع في أمور مشينة فلا تنصحه وتنبهه؛ لأنك لم تتعود على الصراحة، وكثيرون هم الذين يتعاشرون فترة طويلة من الزمن وليس بينهم صراحة، فلا يستفيد هذا من هذا، ولا هذا من هذا.

أما السماحة فمعلوم أن الأمور والحياة بطبيعتها فيها أخطاء، وفيها هفوات، فينبغي للإنسان أن يكون متجاوزاً عن الهفوات، مبادراً إلى مغفرة الزلات، وإلى العفو عما قد يكون من عبارات أو كلمات، ويكون سمحاً ودوداً يستوعب الآخرين، ويسعهم بأخلاقه، ورحابة صدره، وسعة حلمه، ووافر عقله؛ لأن بعض الناس قد تقوده الصراحة إلى نوع من الاحتكاك والشدة، نحن لا نريد ذلك، نريد أن تستقيم ثلاثية التعاون حتى تكون بسيطاً فلا تتكلف، صريحاً فلا تنافق وتداهن، وسمحاًَ فلا تتشدد، وهذه أيضاً أمور فيها من واقع الحياة شواهده كثيرة، وفوائده إن شاء الله أيضاً كثيرة.

نقف عند هذا الحد؛ حتى نستطيع أن نمر على بعض الأسئلة أو التعليقات، خاصة وأن بعضها يتعلق بالدرس من حيث هو، ومن حيث بدء استئنافه، ولعلي أن أنتهز الفرصة في تعليقي على بعض هذه الأسئلة، فيما يتعلق بالدرس في أوقاته القادمة إن شاء الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015