ننتقل إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يرويه أبو هريرة، وهو في مسند الإمام أحمد وفي سنن الترمذي والنسائي وهو عند الحاكم في مستدركه، والبيهقي في سننه أيضاً عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف).
أركز في هذا الحديث على معنيين؛ لأن المكاتبة ليست موجودة في عصرنا كثيراً، ومعناها أن العبد يكاتب سيده على مال حتى يشتري نفسه ويعتقها.
المعنى الأول: أن الله عز وجل تكفل بعون المجاهد الذي يقصد إعلاء كلمة الله عز وجل، فإن تخلينا عنه فنحن الذين نخسر؛ لأن الله سبحانه وتعالى معينه وإن عارضه الآخرون وضيقوا عليه سبل الجهاد، ولأنهم في آخر الأمر سيتحقق فيهم وعد الله جل وعلا: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30].
إذاً: إذا أراد المجاهد أن يجاهد في سبيل الله، فالله عز وجل سيسهل له ويعينه وييسر عليه بإذنه سبحانه وتعالى، فإن نازعته نفسه أو ركنت به إلى الدنيا أعانه الله، وإن نازعته الزوجة والأبناء أعانه الله، وإن شق عليه أمر الجهاد أعانه الله، وإن وجد من معاداة الأعداء شدة وبلاءً أعانه الله، وإن وجد من بعض إخوانه أو بعض المسلمين أو المتمسلمين خذلاناً ونكوصاً أعانه الله، ففي كل مرحلة عون الله عز وجل متحقق.
المعنى الثاني: قوله: (والناكح يريد العفاف) أي: يعف نفسه عن الحرام الذي حرمه الله سبحانه وتعالى، وقد أفاض العلماء في هذه الخصلة على وجه الخصوص؛ لأنها من الأمور الجبلية الفطرية المتكررة، والجهاد لا يكون مستمراً متكرراً، والمكاتبة تكون مرة واحدة ويعتق بعدها العبد، أما هذا فغالباً ما يكون الأمر مستمراً معه حتى يتحقق له الحلال الذي يعف به نفسه.