الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، نحمده سبحانه وتعالى حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى.
فله الحمد سبحانه وتعالى كما نقول وكما يقول، وخيراً مما نقول، وله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحمد على كل حال وفي كل آن، وله الحمد ملء السماوات والأرض وملء ما بينهما، وملء ما شاء من شيء بعد، نحمده حمداً كما يليق بجلاله وعظيم سلطانه سبحانه وتعالى.
والصلاة والسلام الأتمان الدائمان الأكملان على المبعوث رحمة للعالمين، خاتم الأنبياء والمرسلين، سيد الأولين والآخرين، نبينا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام! أحمد الله جل وعلا أن جدد لنا العهد بهذا اللقاء المبارك في هذا اليوم المبارك في هذه الساعة المباركة في هذا المكان المبارك، ولقد كانت لنا من فضله جل وعلا ومنه وتوفيقه دروس عديدة في مثل هذا اليوم من كل أسبوع، وقد طال العهد بها قليلاً، وها نحن نصل الحاضر بما مضى، ونجعله بإذن الله عز وجل أساساً وبداية وصلة مستمرة فيما نستقبل من الأيام بمشيئة الله تعالى.
ولا شك أن مثل هذه المجالس يعم نفعها، وأول المنتفعين بها المتحدث الذي يفكر في الموضوع اختياراً، ثم يسعى لجمع مادته والبحث عن مضمونه في مظان مختلفة، ثم يجاهد نفسه في إخلاص النية وفي تحرير القصد لوجه الله عز وجل، وينتفع السامعون بما يمر بهم من آيات الله عز وجل وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وأقوال السلف، وتجارب الحياة، وكثير من الفوائد التي لا يستغني عنها مسلم وإن كان يعلمها؛ لقول الحق جل وعلا: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55].
وينتفع بها الجميع؛ لكونها في بيوت الله، ولكونها المجالس التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنها من رياض الجنة، وأن الملائكة تتنزل عليها، وأن الرحمة تغشاها، ونحن نحسن الظن بالله، ونعظم الرجاء فيه أن تكون مجالسنا من هذا النوع، فعسى الله عز وجل أن يتغمدنا بواسع رحمته، وأن ينزل علينا ملائكته، وأن ينزل في قلوبنا سكينته سبحانه وتعالى، وهذا لقاؤنا مع الدرس الثلاثين بعد المائة الأولى في يوم الجمعة السابع عشر من شهر ذي القعدة، عام (1416هـ) وعنوانه (ثلاثيات).
وقد رأيت في أول استئناف لهذا الدرس أن يكون موضوعه متنوعاً، وكما يقولون: فيه من كل بستان وردة، ومن كل بحر قطرة، حتى يكون أرغب للنفوس، وأقرب إلى القلوب، وحتى يتجدد النشاط الذي كان لنا، فإذا شرعنا في الموضوعات العميقة أو الدقيقة ربما عرضت بعض الاعتراضات كما مر في بعض الدروس السالفة.
وهذه الثلاثيات متنوعة في مضامينها وموضوعاتها، وفي نسبتها وإسنادها، وفي عمقها ودقتها، والذي يجمعها أمر واحد فحسب، وهو أن في كل قول منها وفي كل مسألة منها ثلاثة أفرع، أو ثلاثة جوانب، وقد قسمت هذا الموضوع أيضاً إلى ثلاثة أقسام حتى لا نخل بالثلاثيات التي فيه: ثلاثيات من الكتاب والسنة، وثلاثيات من الآثار والأخبار والحكم، وثلاثيات من تجارب الحياة.
نبدأ بثلاثيات من الكتاب والسنة، نقف مع بعضها وقفات مختصرة موجزة؛ لأن الغرض هو ما فيها من التنبيه والتوجيه، وما يقع فيه بعض منا من الأخطاء، وعدم مراعاة مثل هذه الجوانب.