الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: فيا أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله؛ فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإن من تقوى الله سبحانه وتعالى تعظيم حرماته، قال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32].
وإن تعظيم المقدسات ينبغي أن يكون في حس كل مؤمن، وإن تكون أعظم شيء عنده، وأن نحرص على تفقد نفوسنا وقلوبنا لئلا يدخل إليها ضعف في هذا التعظيم والتقديس، ولا يسري فيها وهن تجاه كل ما يعارض ذلك ويناقضه.
وإني لأدعو نفسي وإياكم لنراجع سلوكياتنا الشخصية، فإن أموراً منكرة نفعلها نحن داخل بيوتنا، ولا أقول: في عموم المجتمع ليقال: إنها ليست بأيدينا وليست تحت سلطتنا.
إن في البيوت اليوم منكرات هي صور من الاستهانة بالمعظمات، والمقدسات، فإن ما يذاع ويبث في القنوات الفضائية من المحرمات وتجتمع عليه الأسرة أو يرى ويشاهد وهو يعارض عين ما جاءت به الآيات ونص ما وردت به الأحاديث إنه نوع من إضعاف التعظيم والتقديس لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في النفوس.
إنه نوع من إلف المنكرات والرضا بها والتقبل لها، وإضعاف الغيرة وإبعادها.
إن كثيراً من الأمور العملية التي نقوم بها والكسب المحرم الذي قد نتجاوز عنه وهو منتشر بين الناس في أخذ الرشاوى وفي أخذ ما يسمى (أموال الوساطة) وغيرها إنه -أيضاً- ضرب من ضروب التهوين لأحكام الله وشريعة الله، وما يتعلق بذلك من ورائه.
ولو خرجنا إلى مجتمعنا لرأينا الطرائف وهي تشتمل على الآيات والأحاديث وغيرها دون أن يكون هناك منع ولفت نظر إلى عظمة وخطورة ذلك، وأن الخطأ فيه خطره عظيم.
ولقد قال بعض أهل العلم: إن ساب النبي صلى الله عليه وسلم ومنتقصه لا تقبل توبته، بل يقتل حتى وإن ادعى توبة.
كثيرة هي الأمور التي نحتاج إلى مراجعتها في أنفسنا قبل أن نسب أعداءنا -وهم جديرون بذلك-، وقبل أن نكشف عوارهم وزيف ادعاءاتهم ودنو نفوسهم وحقارة سلوكياتهم، وكل ذلك فيهم، لكنه لا يغنينا ذلك قبل أن نعالج أنفسنا، فكم من قائل منهم: لم تعترضون علينا وفيكم من يقول: إن في القرآن أموراً خرافية ليست واقعية؟! وفيكم من يقول: إن في القرآن أحكاماً غير صالحة لهذا الزمان؟! وفيكم من يقول غير ذلك.
إذاً فنحن أولاً جديرون بأن نغير ما بأنفسنا ليغير الله أحوالنا، وليجعلنا قادرين على أن نوقف هذه الموجات المتكاثرة التي لا يكاد اليوم يحصيها العاد من كثرتها.
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً، وأن يعظم الإيمان في قلوبنا، وأن يرسخ اليقين في نفوسنا، وأن يعظم الحمية والغيرة في قلوبنا.
اللهم! إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى وأن تجعلنا هداة مهديين.
اللهم! تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.
اللهم! إنا نسألك العفو والعافية، والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
اللهم! لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم! مكن في الأمة لأهل الخير والرشاد، واقمع أهل الزيغ والفساد، وارفع في الأمة علم الجهاد، وانشر رحمتك على العباد.
اللهم! أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.
اللهم! إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك الصالحين، وأن تكتبنا في جندك المجاهدين، وأن تجعلنا من ورثة جنة النعيم.
اللهم! إنا نسألك أن تجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا.
اللهم! أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس رايات الكفرة والملحدين.
اللهم! من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء.
اللهم! عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، أحصهم -اللهم- عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم! إنَّا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم! زلزل الأرض تحت أقدامهم، وخذهم أخذ عزيز مقتدر.
اللهم! أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز يا متين، اللهم! اشف فيهم صدور قوم مؤمنين عاجلاً غير آجل يا رب العالمين.
اللهم! اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح -اللهم- أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم! وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء.
اللهم! احفظ بلاد الحرمين من كل سوء ومكروه، واحفظ -اللهم- لها أمنها وإيمانها، وسلمها وإسلامها، ورغد عيشها وسعة رزقها برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم! انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين، ثبت -اللهم- خطوتهم، ووحد كلمتهم، وسدد رميتهم، وقو شوكتهم، وأعلِ رايتهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين.
عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56].
وترضوا على الصحابة الكرام، أخص منهم بالذكر ذوي القدر العلي والمقام الجلي أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً، وعلى سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
اللهم! صل وسلم وبارك وأنعم على نبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأقم الصلاة {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45].