الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم، واقتفى أثرهم، ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فاتقوا الله في السر والعلن، واحرصوا على أداء الفرائض والسنن، واجتنبوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
ولا شك أن هذه معالم مهمة، معلم تذكر نعم الله والعمل على شكرها، ومعلم تميز أمة الإسلام والعلم بفضلها، ومعلم التميز بالمخالفة والمفارقة لغير أهل الإسلام فيما ورد به الشرع، ومعلم التجرد ومراعاة الواقع، وتحقيق المصالح فيما يكون من أمر المسلمين مع غيرهم بحسب تغير الأحوال وتبدل الأزمان، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بعد ذلك نرى الفضل والأجر والثواب، فقد صح عند مسلم من حديث أبي قتادة في حديث طويل عن الصيام، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحتسب في صيام عاشوراء أن يكفر السنة الماضية)، فيوم أو يومان يكفران عاماً كاملاً من الذنوب والخطايا، نعمة الله جل وعلا عظيمة، وفضله عميم، وعفوه ومغفرته ورحمته وسعت كل شيء.
فلا يتعاظمن أحد تلك المغفرة، فإنها عند الله عز وجل كما أخبر بها رسوله صلى الله عليه وسلم، فنحن نتبع السنة، ونبتغي الأجر والفضل من الله عز وجل، ويجدر بنا مع ذلك أن نتدبر المعاني، وأن نلتفت إلى هذه الدلالات والتوجيهات والإرشادات، سيما وأن هذا الشهر هو من أفضل الشهور التي يكثر فيها العبد من الصوم، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أفضل الصيام بعد رمضان صيام شهر الله المحرم)، أي: الصيام منه والإكثار فيه من الصوم، وهو مفتتح العام، فكلما زدت فيه عملاً صالحاً رأيت لذلك أجراً وفضلاً.
وفيه كذلك فضيلة الصوم، وأنه من أجل العبادات التي يتقرب بها إلى الله، والتي تشكر بها نعم الله لما فيه من الإخلاص والسر بين العبد ومولاه.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لطاعته ومرضاته، وأن يمن علينا برحمته ومغفرته، وأن ينيلنا رضاه ورضوانه إنه سبحانه وتعالى ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم إنا نسألك العفو والعافية، والمعافاة الدائمة، في الدين والدنيا والآخرة، اللهم ارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، اللهم طهر قلوبنا، وزك نفوسنا، وأخلص نياتنا، وهذب أخلاقنا، وحسن أقوالنا، وأصلح أعمالنا، وضاعف أجورنا، وامح أوزارنا، وارفع درجاتنا، وبلغنا اللهم فيما يرضيك آمالنا برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله محمد رسول الله، اللهم توفنا على الإيمان والتوحيد، وابعثنا على الشهادة، وثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويوم يقوم الأشهاد يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك المخلصين، وأن تكتبنا في زمرة المجاهدين، وأن تجعلنا من ورثة جنة النعيم، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن تحبهم وترضى عنهم، وتأخذ بأيديهم ونواصيهم إلى طريق الحق والسداد، وتلهمهم الرشد والصواب، أعذنا اللهم من مضلات الفتن، ومن وساوس الشيطان، ومن قرناء السوء، ومن فتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال يا رب العالمين! اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس راية الكفرة والملحدين، اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء! اللهم عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنهم طغوا وبغوا وتجبروا وتكبروا، وأذلوا عبادك المؤمنين، وانتهكوا حرمات المسلمين، اللهم فأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز يا متين! يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء! يا من أمره بين الكاف والنون! اللهم إنا ندرأ في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم، اللهم اجعل بأسهم بينهم، وخالف كلمتهم، واستأصل شأفتهم، ودمر قوتهم، ولا ترفع لهم راية، ولا تبلغهم غاية، واجعلهم لمن خلفهم آية، واشف اللهم فيهم صدور قوم مؤمنين عاجلاً غير آجل يا رب العالمين! اللهم أقر أعيننا بهزيمتهم ودحرهم، وردهم على أعقابهم صاغرين عاجلاً غير آجل يا رب العالمين! اللهم انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين، ثبت اللهم خطواتهم، ووحد كلمتهم، وسدد رميتهم، وأعل رايتهم، وقو شوكتهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين! اللهم لطفك ورحمتك بإخواننا المضطهدين والمعذبين والمشردين والمبعدين، والأسرى والمسجونين، والجرحى والمرضى في كل مكان يا رب العالمين! اللهم امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وعجل فرجهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم، وزد إيمانهم، وعظم يقينهم، واجعل ما قضيت عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين، اللهم اجعل لنا ولهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية يا سميع الدعاء! اللهم احفظ بلاد الحرمين من كل سوء ومكروه، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا منهم بالذكر ذوي القدر العلي، والمقام الجلي أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على نبيك محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.