الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإن من تقوى الله سبحانه وتعالى الحفاظ على هذا الدين مستقراً في القلوب، مستكناً في النفوس، حاكماً في الواقع، ظاهراً في المعاملات، فلا يشذ عن هذا الدين شيء من اقتصاد ولا سياسة ولا قضاء ولا غيره.
وهناك لفتات ثلاث أختم بها، وأنبه عليها، وأحسب أنه بعد حديثنا الموجز هذا ينبغي أن نلفت أنظارنا إلى هذا المعنى، وهو أن نحرص على بقاء الأصل كما هو؛ لئلا يدور الزمن فنعود كغيرنا من البلدان، فنجد الشذوذ -لا قدر الله- قد صار أصلاً، والمنكر قد صار معروفاً، ونعود نطالب بأمور كانت هي الواقع الذي نعيشه، وهذه لفتات وكلمات ورسائل ثلاث: الأولى: ليعلم الذين يتكلمون ويجترئون على بعض الأمور، أنهم لا يجترئون على الأفراد والآحاد، ولا يجترئون على الأعراف الاجتماعية، إنما اجتراؤهم في الحقيقة اجتراء على نصوص قرآنية، وأحاديث نبوية، وعلى سيرة عطرة لرسول الهدى صلى الله عليه وسلم.
إن الذين يعارضون مثل هذه المسائل المحكمة في ديننا، من فرضية الحجاب، ومنع الاختلاط وغيرها، إنما هم في حقيقة الأمر يعارضون هدي رسولهم صلى الله عليه وسلم، والأحاديث والقصص في سيرته في هذا الباب كثيرة، منها الحديث المشهور عند الإمام أحمد من رواية أنس رضي الله عنه وهو غلام النبي صلى الله عليه وسلم وخادمه، لما نزلت آية الحجاب وقد كان أنس كبر قليلاً، قال: (فجئت أدخل، قال: على رسلك يا بني!)! فقد أصبح الأمر مختلفاً، وجاء التشريع بفرضية الحجاب.
ولما خرجت سودة رضي الله عنها تريد قضاء حاجتها، فرآها الفاروق عمر وكان غيوراً على حرمات المسلمين عموماً وعلى أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم خصوصاً، فقال: قد عرفناك يا سودة! ونزلت آيات الحجاب، واحتجب نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن قال عمر: (يا رسول الله! احجب نساءك).
وغير ذلك كثير، والقصص والروايات الصحيحة فيه وافرة.
الأمر الثاني وهو في نظري كذلك خطير: كل من يسعى إلى كسر المألوف الاجتماعي المعتمد على الأصل الشرعي، كأن يقوم بنشاط فيحدث فيه اختلاطاً بضم النساء إلى رجال، أو غير ذلك من صور الاختلاط، أو يحاول تغيير اللسان إلى لغة أخرى، والعملة إلى عملة أخرى في وسط بلادنا وفي عقر دارنا.
أقول: إنكم إذا اجترأتم على ذلك فإنكم إنما تضرون أنفسكم، وستعضون أصابع الندم، فإن غيرنا ممن ابتلاهم الله عز وجل في بلاد إسلامية وغير إسلامية قد جنوا الحنظل، وخرجوا بالشوك من مسيرة الاختلاط والفسق والفجور، وأول الغيث قطر ثم ينهمر.
وثالثة -أحبتي الكرام- لي ولكم: نحن أصحاب الحق، فينبغي أن ننطق به، نحن الأصل، والشذوذ ينبغي أن يقال إنه شذوذ، نحن أصحاب الدين القائم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن خالفهما فنحن نقول له: أنت مخالف ولا كرامة، فكيف وحديث النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).
وكذلكم نقول ذلك مستندين إلى نظم الدولة، وإلى تعليماتها وتصريحات المسئولين فيها، وقد كان أحد كبار المسئولين يقول: أمران لا مساومة فيهما: العقيدة الإسلامية، وأمن الوطن.
إذاً: نحن ندافع عن ديننا ونظام بلدنا، وتصريحات وتوجيهات وتعليمات القيادات العليا، وولاة الأمور فينا، فنحن كل شيء في صفنا، ونحن باقون على الأصل الذي ينبغي أن نحافظ عليه.
أسأل الله عز وجل أن يحفظ بلادنا من كل سوء ومكروه، وأن يحفظ عليها أمنها وإيمانها، وسلمها وإسلامها، وسعة رزقها ورغد عيشها، ومحافظتها وحسن أخلاقها، وانتظام وائتلاف مجتمعاتها.
اللهم إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى، اللهم تولى أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، اللهم إنا نسأل العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا يا أرحم الرحمين.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك الصالحين، وأن تكتبنا في جندك المجاهدين، وأن تجعلنا من ورثة جنة النعيم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس راية الكفرة والملحدين، اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء! اللهم عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، أحصهم اللهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، أرنا اللهم فيهم عجائب قدرتك، وعظيم سطوتك، يا قوي يا عزيز؛ يا منتقم يا جبار؛ اللهم أنزل بأعداء الإسلام والمسلمين بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، عاجلاً غير آجل يا رب العالمين! اللهم رحمتك ولطفك بعبادك المؤمنين المضطهدين والمعذبين والمشردين، والمبعدين والأسرى، والمأسورين، والجرحى والمرضى في كل مكان يا رب العالمين.
اللهم اجعل لنا ولهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية يا سميع الدعاء.
اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاء وسائر بلاد المسلمين، واحفظ اللهم أئمتنا وولاة أمرونا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير، وتحثه عليه يا سميع الدعاء.
اللهم انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين.
عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله استجابةً لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56].
وترضوا على الصحابة الكرام، أخص منهم بالذكر ذوي القدر العلي والمقام الجلي: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
{وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45].