وقلنا أيضاً في الصياد إنه لا يصرفه عن الصيد شيء من الصوارف كمنظر جميل أو نحو ذلك، وكذلك ينبغي ألا ينصرف الداعية إلى غير مهمته الأساسية، فتتعلق عيونه بأموال الناس ممن يدعوهم، أو يتعلق بحسن صورهم، أو بحسن ما يقع منهم من أمور فيها بعض الإيجابيات، أو حتى يفتن بما يسميه الناس لذة الاستتباع، فيرى الناس من حوله فيفرح بذلك، فينشغل بعد ذلك عن مهمته الأساسية بالبهرجة التي تحيط به، والناس الذين يمشون خلفه، وينصرف بذلك عن جوهر القضية.
وهذا مكمن خطر ومزلق وخيم، لأن الإنسان أحياناً يكون هذا أول قصده، ثم من بعد ذلك تحيط به ظروف فإذا به ينشغل عن مهمته بأمر آخر، وينسى أنه إنما أراد من الناس دعوتهم إلى الله سبحانه وتعالى، وأنه لا يبتغي الأجر إلا من الله، وكل الرسل والأنبياء جاء القرآن يذكر على ألسنتهم {مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ} [يونس:72].
ذلك التجرد الذي لا يصرفه عن هدفه بأي أمر آخر حتى بلذة الاستبباع فقد ذكر ابن القيم في فوائده أن ابن مسعود كان يسير فسار في إثره ناس قال: هل لكم من حاجة؟ قالوا: لا.
ولكنا نحب أن نمشي معك، فقال: لا تفعلوا فإنه ذلة للتابع وفتنة للمتبوع.
لماذا تذل نفسك لإنسان مثلك، ولو كان صاحب خير وصاحب حق، إن كانت لك به حاجة لتستفيد من علمه أو تنصره أو تسأله أو ترافقه في أمر فلا بأس، وفيه فتنة للمتبوع فإذا به ينشغل بعد ذلك فإذا لم يأته الناس ولم يحتفوا به امتنع عن أن يدعوهم فانحرف بذلك عن النهج، ولذلك كان من فضائل الإمام البخاري رحمة الله عليه أنه كان يقول: قد استوى عندي المادح والذام.
فلا يشغله المدح بأن يفرح وينصرف إليه، فإذا أطنب الناس في حسن بلاغته صار يحفظ الأشعار وينمق العبارات ويبعد عن المضمون وهو روح القول وحياة القلب وصدق اللهجة.
وإذا استحسنوا منه شيئاً آخر كحكمته أو حسن تصرفه في الأمور صار يبتكر أموراً حتى يبدي فيها تصرفاً حسناً وهكذا، فينبغي للإنسان أن ينتبه ألا ينصرف عن المهمة الأساسية بأي عارض من العوارض مهما كان هذا العارض مغرياً أو جميلاً أو ملفتاً للنظر فإن ذلك مكمن خطر ينبغي أن ينتبه منه.