ولعلي هنا أنقل صفحة مكتوبة منذ قرون طويلة، أنقلها بنصها؛ لعلنا نرى بعض صور التشابه، تلك الصفحات من البداية والنهاية لـ ابن كثير في الوقائع التي وقعت في سقوط بغداد سنة ست وخمسين وستمائة من الهجرة.
يقول ابن كثير: استهلت هذه السنة وجنود التتار قد نازلت بغداد، وجاءت إليهم أمداد صاحب الموصل يساعدونهم على البغاددة؛ وكل ذلك خوفاً على نفسه من التتار، ومصانعة لهم قبحهم الله، وقد سترت بغداد، ونصبت فيها المجانيق والعرادات وغيرها من آلات الممانعة التي لا ترد من قدر الله شيئاً، كما ورد في الأثر: لن ينجي حذر من قدر، وكما قال تعالى: {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ} [نوح:4]، وكما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد:11].
قال: وكانوا مائتي ألف مقاتل وصلوا بغداد في الثاني عشر من شهر الله المحرم، وصل التتار بجنوده الكثيرة الكافرة الفاجرة الظالمة الغاشمة ممن لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، فأقاموا ببغداد من ناحيتها الغربية والشرقية، وجيوش بغداد في غاية القلة ونهاية الذلة.
ولا أريد أن أعلق على هذه الصورة والصفحة؛ فهي غنية عن ذلك التعليق، ونود أن ننتبه وأن نلتفت إلى كثير مما ينبغي أن نتنبه له: إن هذه الصور الحزينة ينبغي ألا تمر فقط لتكون شيئاً من ألم يمكن أن يُخفف بعد قليل من الوقت، ولا شيئاً من حزن يمكن أن يُسرى عنه بشيء من اللهو، إنها لابد أن تغوص وأن تتعمق في أصول الفكر والنفس على قاعدة المنهج الواضح البين في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.