الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: فأيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، والتقوى هي الاستمساك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إن يقيننا بكتاب ربنا وسنة نبينا أعظم وأقوى وأثبت من أن تنال منه هذه الهرطقات وتلك الاعتداءات التي تهذي بما لا تعرف، والتي تناقض الواقع وتنقض الحقائق، ولكننا في الوقت نفسه ينبغي لنا أن ننتبه لهذه المخاطر الداهمة.
وإنني أشكر الصارخة المسلمة والغاضبة المؤمنة، ونحن معها جميعاً نرفع لولاة الأمر الرجاء بأن يضربوا بيد من حديد على أيدي المفسدين؛ لأن هذا هو الفساد بعينه، وهو الذي يسبب اضطراباً وفرقة في المجتمع، وهو الذي يوجد جذوراً لما قد يسمى بالعنف، ولنعلم جميعاً أن أحداً لا يمكن أن يسكت إذا رأى أن عرضه ينتهك، أو أن عفة نسائه تهاجم، أو أن خدر بيته يراد أن ينقض وأن يزعزع.
فالأمور أعظم؛ لأنها دين ندين الله عز وجل به، إن الحجاب ليس من عندنا ولا من بنات أفكارنا، إنه تنزلت فيه آيات القرآن الكريم: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31]، {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب:59].
إنه قرآن يتلى وأحاديث تروى: (ما تركت بعدي فتنة أضر على النساء من الرجال)، ثم تأتينا تلك وهذه وذاك وأولئك ليقولوا لنا أمراً يناقض ما قاله الله عز وجل وما قاله رسول الهدى صلى الله عليه وسلم.
وهناك أمر آخر، وهو من الأمور المؤلمة المحزنة، ولعلي أختم به لأبقي الحزن والألم في القلوب، حتى لا نركن ولا نسكن، بل نتحرك ونغير لديننا ونناصح ونناشد وننبه ونحذر.
فهذا مركز يحمل اسم أم المؤمنين خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، كان فيه محاضرة سمع الناس الصدى العظيم الذي تركته اعتراضاً واحتجاجاً لما تضمنته من اعتداء على صحابي جليل، هو أعظم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثرة رواية الحديث عنه.
ويتجدد الأمر في ذات المركز وبلسان محاضرة من بلادنا ومن محافظتنا تقول في بعض تنبيهاتها للنساء: احذرن أن يذهب أبناؤكن إلى المساجد وتحفيظ القرآن لئلا يقعوا في اللواط! وانظر إلى العجب العجاب في الربط بين بيوت الله وكتاب الله وهذه الفاحشة الكبرى، فأي أمر هذا؟! وأي قول ورجم وقذف هذا؟! والأمر في هذا الشأن فيه خروقات، لكن هي قليلة وشاذة، ولا تعبر إلا عن قلة من الناس، لكن هذه القلة تكلمت وصمتنا، وظهرت واختفينا، وقالت وشاع قولها، ونحن إذا قلنا قيل: لماذا تتحدثون بهذا؟ وإذا غضبنا قيل: لماذا هذا التهييج؟ وأقول: عجباً! أينتهك ديننا ويعتدى على أعراضنا ويراد منا أن نضحك ملء أشداقنا، وأن ننام ملء أعيننا؟! إنها المفارقات العجيبة.
أسأل الله عز وجل أن يحفظ بلاد الحرمين من كل سوء ومكروه، وأن يحفظ عليها أمنها وإيمانها، وسلمها وإسلامها، وأمنها ورغد عيشها، ونسأل الله عز وجل أن يصرف عنا كيد الفجار وشر الأشرار، وشر فتن ومحن طوارق الليل والنهار.
اللهم! إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى، اللهم! تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.
اللهم! إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
اللهم! احفظ نساءنا وأزواجنا وبناتنا، اللهم! جملهن بالحياء والعفة، واحفظهن بالحياء والحشمة، اللهم! من أرادهن بسوء فرد كيده في نحره، واشغله بنفسه، ولا تبلغه -اللهم- غاية، واجعله -اللهم- لمن خلفه آية.
اللهم! إنا نسألك أن تحفظ مجتمعنا من شرور الفساد والانحلال في الأخلاق، اللهم! يا أرحم الراحمين! يا رب العالمين! احفظ علينا إيماننا في قلوبنا، وإسلامنا في سلوكنا وأخلاقنا ومعاملاتنا، واحفظ عفتنا وحياءنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم! أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس رايات الكفرة والملحدين، اللهم! من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء.
اللهم! عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم! أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً.
اللهم! أرنا فيهم عجائب قدرتك وعظيم سطوتك، اللهم! إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك -اللهم- من شرورهم.
اللهم! لطفك ورحمتك بإخواننا المسلمين المضطهدين والمعذبين والمشردين والمبعدين والأسرى والمسجونين والجرحى والمرضى في كل مكان يا رب العالمين.
اللهم! امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وعجل فرجهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم واحفظ أعراضهم واحقن دماءهم، وبلغهم -اللهم- فيما يرضيك آمالهم، واجعل لنا ولهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية.
اللهم! اجعل بلدنا آمناً مطمئناً رخاء وسائر بلاد المسلمين، واحفظ -اللهم- أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم! وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء.
اللهم! أحسن ختامنا وعاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، وانصر -اللهم- عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين.
عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]، وترضوا على الصحابة الكرام خصوصاً على أجلهم قدراً وأرفعهم ذكراً ذوي القدر الجلي والمقام العلي أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على نبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.