لعلي أختم هذا المقام بالحديث عن غير ما يدخل الجنة سوى الصوم، حتى لا يظن ظان أن الجنة عربونها هو الصوم فقط؛ فإن الأمر أوسع من ذلك وإن كان يسيراً بإذن الله عز وجل، فالفرائض هي العمد كلها، فلا ينبغي أن يكون صوم بلا صلاة، ولا صوم وصلاة ثم تشح النفس فلا تخرج الزكاة.
ومثل ذلك الحج كما نعلم من حديث جابر رضي الله عنه، عن الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أرأيت إذا صليت المكتوبات، وصمت شهر رمضان، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام، أأدخل الجنة؟ قال: نعم، فقال الرجل: والله لا أزيد على ذلك شيئاً).
وأوسع من هذا وأشمل وأجمل: حديث معاذ لما كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم، فاستغل تلك الرفقة العظيمة، والتفت سائلاً عن أعظم ما يسأل عنه المؤمن، وعن أهم ما يشغله، فقال: (يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال عليه الصلاة والسلام: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، ثم قال عليه الصلاة والسلام: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: كف عليك هذا، وأمسك بلسان نفسه عليه الصلاة والسلام، قلت: يا رسول الله! أو محاسبون بما نتكلم به بألسنتنا؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس على وجوههم أو على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم؟).
فما أحرانا أن نعرف هذا الفضل في هذا الشهر، وأن نستكمل الفرائض حتى يأذن الله عز وجل برحمتنا، ويمن علينا بفضله وجوده وكرمه فيعتق الرقاب من النار، ويمن علينا بدخول الجنان، نسأل الله عز وجل من فضله، ونسأله سبحانه وتعالى من رحمته ولطفه، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.