الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، هو أهل الحمد والثناء، لا نحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، فله الحمد في كل حال وفي كل آن، ونصلي ونسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين، وسيد الأولين والآخرين، نبينا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين! أما بعد: أيها الإخوة الكرام الأحبة! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
نسأل الله جل وعلا أن يمن علينا وعليكم بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وأن يوفقنا للهدى، وأن يرزقنا التقوى، وأن يجعلنا وإياكم من أهل الاستقامة، وأن يمن علينا بالثبات حتى الممات، إنه سبحانه وتعالى ولي ذلك والقادر عليه.
هذا موعدنا مع الدرس الثامن والثمانين، في اليوم العاشر من شهر شعبان عام أربعة عشر وأربعمائة وألف، وعنوان هذا الدرس: (قراءة دعوية في السيرة النبوية).
أيها الأحبة! نحن نعلم أننا ما تُعبِّدنا باتباع أحد إلا اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو قدوتنا وأسوتنا كما قال جل وعلا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21] وإذا عرفنا ذلك ظهرت لنا أهمية سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، وأهمية تعلمها، والاقتباس منها، والاقتداء بها، سيما في مثل هذه الأعصر التي كثر فيها التخليط، وازدادت فيها الشبهات، وتكاثرت الفتن، وأصبح كلُّ يقول بقول، ويدعو إلى دعوة، ويبقى المسلم لا يربطه شيء إلا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم.
من رحمة الله عز وجل بعباده المؤمنين، وبهذه الأمة على وجه الخصوص، وبالناس أجمعين عامة: أن هذه السيرة واضحة مفصلة كأنما ولد عليه الصلاة والسلام على ضوء الشمس كما يقول بعض المؤرخين، فليس هناك شيء خفيٌ من سيرته، فنحن نعلم عن مولده، وعن طفولته، وعن قبيلته وأسرته، وعن نسبه، وعن حسبه، كما نعلم أيضاً عن حياته في بيته، ونعلم أقواله وأفعاله حتى في أدق الأمور وأبسطها، وذلك من النعمة الكبرى، حتى يجتني المسلم من سيرة النبي عليه الصلاة والسلام كل ما يحتاج إليه.
ومن هنا فإن السيرة النبوية يمكن أن تقرأ قراءات عديدة: فيمكن أن نقرأها قراءة عسكرية، وذلك في حنكته عليه الصلاة والسلام في الغزوات التي قادها، والسرايا التي أنفذها، وما يلحق بذلك من الأمور، ويمكن أن نقرأها قراءة اجتماعية، وذلك في سيرتة عليه الصلاة والسلام زوجاً وأباً ومربياً ومعلماً، كما يمكن أن نقرأ السيرة قراءة فكرية، وذلك فيما كان يبينه النبي عليه الصلاة والسلام من دحض الشبه، وإبطال الباطل، وإقامة الحجة، إلى غير ذلك من الأساليب والمقتبسات التي يمكن أن تؤخذ من سيرته عليه الصلاة والسلام.
أما قراءتنا: فهي قراءة دعوية في السيرة النبوية، وهي صفحات متنوعة من سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، إلا أنها متدرجة ومرتبة بحسب التاريخ الذي وقعت فيه هذه الأحداث، وقرئت فيه هذه الصفحات، إضافة إلى أن هذه القراءة تأتي بصورة منهجية مرتبط بعضها ببعض، فهي تعبر عن البداية والخطوة التي بعدها وما يلحق بذلك، مع بيان الأولويات وترتيبها؛ ولذلك فهذا الدرس محاولة لاختصار السيرة من خلال عرض الدعوة فيها، فنحن نريد أن نرى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته، والملامح والمعالم التي ينبغي أن يستقيها الدعاة والمربون من هذه السيرة العطرة؛ ليكون تأسيسهم وبناؤهم ودعوتهم على طريقة قويمة، ولكي تؤتي -بإذن الله عز وجل- الثمار المرجوة المنشودة.