وقفتنا الأخيرة في وفاة فاطمة رضي الله عنها، وما أدراك ما وفاتها؟! توفت -على الصحيح- بعد ستة أشهر من وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي يوم وفاتها نادت مولاتها أم رافع، وجاءت بماء فاغتسلت أحسن اغتسال، ثم لبست أحسن ثيابها، ثم طلبت أن يكون فراشها في وسط بيتها، ثم اضطجعت واستقبلت قبلتها وقالت: كأني مقبوضة.
فما لبثت أن قبضت روحها إلى خالقها وبارئها رضي الله عنها وأرضاها، وكان ذلك وهي ابنة ثلاثين سنة على الصحيح، كما روى ذلك عبد الله بن محمد بن الحسن.
وقد صلى عليها العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل في قبرها علي والفضل رضي الله عنهم أجمعين، وكانت فاطمة رضي الله عنها هي أول من وضع له القباء من نساء المسلمين؛ لأنها كانت رضي الله عنها حيية تحب الستر، فكانت في حديث مع أسماء تقول لها: هؤلاء النساء عندما يكفن يكون الثوب فوقهن فكأنه يصف أجسادهن! فقالت: لقد رأيت شيئاً عند أهل الحبشة.
وذكرت لها أنهم يضعون جريداً فيرفعون به عن جسم المرأة، فلما ماتت فاطمة رضي الله عنها صنع بها ذلك، فكانت أول امرأة في الإسلام فعل بها ذلك.
ومضت إلى الله سبحانه وتعالى بهذا الصبر والاحتمال والقرب من رسول الله عليه الصلاة والسلام، والنموذج المثالي للمرأة المسلمة الصابرة المحتسبة، والزوجة الوفية العاملة البارة بزوجها الوفية لعشرتها، وكان لها أعظم الفضل فيما أكرمها الله عز وجل به من الأبناء الذين كان لهم أثر عظيم وبر كبير ومنفعة، حتى ذكر النبي عليه الصلاة والسلام من مناقب الحسن والحسين ما هو معلوم.
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبلها في عباده الصالحين، وأن يجعلها في أعلى عليين، وأن يجعلها قدوة لنساء المسلمين، وأن يلحقنا بها وبأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على خير ما يحب ويرضى سبحانه وتعالى من الإيمان والتقى والهدى، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين.