وقفات مهمة في شهر رمضان

أيها الأخ المؤمن! هاقد أظلنا موسم من مواسم التقوى العظيمة، شهر الصوم الذي من مقاصده العظيمة التقوى.

ووقفتنا الأخيرة تأكيد على أن يكون حظنا من شهرنا هو حظ قلوبنا وأرواحنا، وأن لا نعكس، وأن لا نغير، وأن لا نبدل كما يحصل -وللأسف- في واقع حياتنا، فإذا بنا نرى هذا الشهر وكأنه شهر الأجساد والأبدان، شهر الشراب والطعام، لم أر بعيني في كل هذه الشوارع التي أجوبها إعلاناً واحداً يشير إلى معنى من المعاني أو ينبه على شيء من التذكير والعظة، بل إما أن نرى شراب العصير، وإما أن نرى أنواع الطعام، وإما أن نرى الجانب الآخر الذي سأشير إليه.

قال بعضهم: جعله الله عز وجل شهراً للقلوب والأرواح فجعلوه لغير ذلك من الطعام والشراب.

حتى إننا نرى أطعمة كأن من المحرم أن تؤكل قبل رمضان أو بعده، أو كأن الصوم بدونها لا يصح، وهذا كله من استزلال الشيطان، ومن صرف الأذهان عن حقائق الإيمان، ومن الخروج عن حكم العبادات إلى أمور من الصوارف والملهيات والمشغلات، فلا ينبغي لنا أن نكون من أولئك الذين يضيعون عقولهم، ولا ينظرون إلى المواسم والفرص والحكم والمنافع التي ساقها الله إليهم، إن لله في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لنفحات الله، فكيف نتعرض لها ونحن لا نفكر إلا في هذه الطوابير التي نراها قبيل المغرب تصطف لتأخذ هذا النوع من الطعام أو ذاك، ويختصمون ويضيعون الأوقات العظيمة في آخر كل يوم قبيل الغروب، ويغفلون في ذلك الوقت عن الذكر والدعاء والتضرع والاستعداد للإفطار؟! وأمر آخر، وهو الجانب المؤلم المحزن الذي تحدثت عنه من قبل، ونراه أيضاً في الإعلانات، إنها البرامج والتمثيليات وغيرها مما يعرض في القنوات، كل الذي نقول: إنه يصب في القلوب من هذه الأمراض منه، فإن ذكرت جاءتك بالغفلة، وإن خشيت جاءتك بتركها، وإن كان عندك صفاء كدرت قلبك من جديد، وإن كان عندك استقامة أزاغتك من بعدها، نسأل الله عز وجل السلامة.

فلماذا مرة أخرى وثانية وثالثة تتخصص وسائل الإعلام لمعاكسة ومعارضة كل حكم عظيمة ومنافع جليلة، تجيء بها هذه الفريضة أو غيرها من الفرائض؟ بل تختص بهذا الشهر، فثمت برامج لا يمكن أن تكون إلا فيه، ولا تذاع أو تبث في غيره، وقد قلنا ذلك من قبل، لكنني أخاطب هنا قلوبكم وعقولكم، لا تكونوا من سفهاء العقول فتضيعوا هذه الخيرات، ولا تكونوا من ضعاف القلوب فتميلوا إلى الشهوات.

وأخيراً -وهو الأمر الثالث كذلك- أنه كلما أردنا لهذه الخيرات في قلوبنا أن تزداد فطريقها مجانبة المعاصي بكل شيء، كالكلمة التي تتكلمها، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً)، وكما قال لـ معاذ: (ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم!) لغو القول، وخيانة النظر، وسماع الإثم، والسعي إلى المحرم، كل ذلك يعاكس كل ما ذكرناه، فنحن الذين نستطيع أن نفتح الأبواب ليدلف إليها الخير والنور، أو نكون قد حرمنا أنفسنا.

نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لطاعته ومرضاته، وأن يأخذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد، وأن يلهمنا الرشد والصواب.

اللهم! وفقنا للصالحات، واصرف -اللهم- عنا الشرور والسيئات، واغفر -اللهم- لنا ما مضى وما هو آت، اللهم! وفقنا لحسن الصيام والقيام وصالح الأعمال، واجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم، واجعلها زيادة لإيماننا، وترسيخاً ليقيننا، ونوراً لقلوبنا، وزكاة لنفوسنا، وطهارة لأرواحنا، ومضاعفة لأجورنا، ورفعة لدرجاتنا، وتكفيراً لسيئاتنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم! تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا -اللهم- فيما يرضيك آمالنا، اللهم! إنا نسألك العفو والعافية، والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، اللهم! إنا نسألك أن تجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا، اللهم! املأ قلوبنا بحبك، وأنطق ألسنتنا بذكرك، واجعل أيدينا منفقة في سبيلك، وأقدامنا ساعية إلى طاعتك، وجباهنا خاضعة لعظمتك، وشفاهنا لهجة بتسبيحك وحمدك، واستخدمنا -اللهم- في طاعتك، وسخرنا لنصرة دينك، واجعلنا -اللهم- ستاراً لقدرك في نصر الإسلام والمسلمين يا رب العالمين.

اللهم! إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك الصالحين، وأن تكتبنا في جندك المجاهدين، وأن تجعلنا من ورثة جنة النعيم، اللهم! أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس رايات الكفرة والملحدين، اللهم! من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء، اللهم! أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء، اللهم! مكن في الأمة لأهل الخير والرشاد، واقمع أهل الزيغ والفساد، وارفع في الأمة علم الجهاد، وانشر رحمتك على العباد برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم! انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم! رحمتك ولطفك بعبادك المؤمنين المضطهدين، والمعذبين والمشردين، والمبعدين والأسرى والمسجونين، والجرحى والمرضى في كل مكان يا رب العالمين.

امسح -اللهم- عبرتهم، وسكن لوعتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وعجل فرجهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم، وزد إيمانهم، وعظم يقينهم، واجعل لنا ولهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية يا سميع الدعاء، اللهم! اجعل بلدنا آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح -اللهم- أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم! وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سمع الدعاء.

اللهم صلِّ وسلم وبارك وأنعم على نبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015