وقفتنا هنا نقفها لئلا نكرر المآسي السابقة، فإن لنا فيها عبراً، ولعلي أقف وقفة سريعة لأذكر بها، فهل ما زلنا نذكر البوسنة والهرسك؟! قد نسخت من عقولنا، ومُسحت من واقعنا، وطويت صفحتها وكأن قضيتها انتهت؟! فهل انتهت فعلاً؟! وأين هي كوسوفا؟! وهل ما زلنا نذكر أحداثها ونستعيد فظائعها؟! وهل انتهت آثارها واندملت جراحها؟! ما حال الثكالى اللائي فقدن أزواجهن؟ ما حال الأيتام الذين فقدوا أهلهم؟ ما حال المعاقين؟! ما حال الذين تشوهت أجسادهم؟! ما حال أوضاعهم المادية؟! ما حال المدارس التي دمرت والمساجد التي محيت؟! ما حال أوضاع إخواننا الإسلامية والإيمانية؟! أليس يدمي قلوبنا أن نعرف أن بعض تلك البقاع أصبحت اليوم مرتعاً للغرب المسيحي يصول فيها ويجول ويجعل بعض بلادها الأولى في قائمة تصدير البغايا؟! لقد بكينا لأجلها كثيراً، وأنفقنا في سبيلها مالاً وفيراً، ثم سكنوها فسكنا، وسكتوا عنها فسكتنا، وأزالوا صورها من الإعلام فنسينا.
إن ردود الأفعال لا تكفي، إن اليقظة اللازمة في حياة الأمة ينبغي أن تكون يقظة دائمة، وحركة دائبة، وتصوراً واضحاً، ومشاعر مستمرة متأججة، إن قضايا أمتنا أعظم من أن نتكلم عليها جميعاً ثم نجففها ونمسحها، وهي أكبر وأضخم في ميزان الحق والإيمان والإسلام من أن ننفق لأجلها دريهمات ثم نمسك، إن إيماننا وإسلامنا هو المستهدف، إن تاريخنا وأمتنا هما المهاجمان، إن وجودنا هو الذي يراد له أن يمحى إما باجتثاثه وإما بتمييعه ومسخه كما فعل بتلك الديار والبلاد.
كم هي الجرائم الفظيعة التي ظن كثيرون أنه لا يمكن أن تبقى! وشراذم اليهود وما وقع لهم أقل بكثير مما وقع للمسلمين في الاتحاد السوفيتي الشيوعي الاشتراكي أول ما بدأ وقام.
بضعة يهود -مع أكاذيب وتدليس- يُذكر أنهم قتلوا على يد النازية الألمانية، ولا تزال ذكرى حادثتهم وقضيتهم ومجزرتهم -إن صحت- تملأ سمع الزمان كله، وتقام لها المحافل والمشاهد، وتركع لأجلها الدول، وتدفع الأموال، وتصبح راية مرفوعة يهدد كل من يشكك فيها أو يعترض عليها أو يستهين بها، وهل دماؤهم أعز من دماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ وهل هم أشرف وأبر وأطهر من أولئك الأبرار في أرض فلسطين؟ وأولئك الأحرار المجاهدين في الشيشان، وأولئك الأبرياء المجاهدين الذين قُتلوا قتل الخراف وذُبحوا ذبح النعاج في البوسنة والهرسك وكوسوفا؟!