العوائق الزوجية

وهناك عائق آخر، وهم الأزواج.

فإن الزوج له دور مهم في تيسير أمر الدعوة لزوجته، وتجيئني بعض الأسئلة ممن يشير إلى أن هذه القضية واردة بشكل كبير.

وقد سبق أن ذكرت أنه لابد للمرأة من موازنة واعتدال، وأن لا يطغى جانب على جانب، وأن لا يدفعها انشغالها بدعوتها إلى إهمال حق زوجها أو رعاية أسرتها، وفي الوقت نفسه لابد للرجل من أن يدرك دور المرأة الداعية -وقد أسلفنا تفصيلاً واسعاً فيه- وأن يدرك الأثر الإيجابي الذي يدُرُّ عليه أجراً من عند الله عز وجل وإصلاحاً لهذا المجتمع الذي في آخر الأمر تتكامل دوائره، فإن الإصلاح إذا اتسعت دوائره سيصل إلى بيتي وبيتك، وإلى أختي وأختك، وإلى والدتي ووالدتك، وزوجتي وزوجتك، والفساد إذا انتشر فسيصل إلى بيتك حتى ولو كنت من الصالحين؛ فإن بنتي التي تدرس في المدرسة أو التي تذهب إلى الجامعة أو زوجتي التي تختلط بالنساء إذا توسعت دوائر الفساد فإنه سيلحقها لعدم وجود الدعوة بين صفوف النساء، أفلا يكون عند الرجل المسلم توجه إلى أن ينفع أخواته ومجتمعه المسلم من خلال إتاحة الفرصة لزوجته لأن تمارس بعض صور الدعوة ما دامت مؤهلة لذلك؟! ولذلك قد نجد بعض النساء يطالبن بأن يكون هناك دروس للنساء في المساجد، أي: تقوم بها النساء.

فالدروس للنساء من الرجال موجودة، ولكن فائدتها قد لا تكون كاملة كما لو كانت المرأة هي التي ستدرس النساء.

فنريد أن يكون هناك دروس في تجمعات النساء في العزاء أو في الأفراح، ونريد أن يكون هناك اجتماعات عائلية في البيوت، وأن تلقى فيها بعض الدروس والمحاضرات والمواعظ والتذكير، فمن أين ستأتي هذه المرأة التي ستقوم بهذا الدور؟ إنها ابنة لأب، أو زوجة لزوج، أو أخت لأخ، فإذا لم يكن هذا الرجل مدركاً لمهمتها وأنه يشاركها في هذا الأجر، ويكون عند الناس تقدير لدور هذه المرأة وما حصل من صلاح على يديها وما وجد من خير بجهودها فكيف يمكن أن تمارس هذا الدور؟ إذاً لابد من أن ندرك أن هناك عقبات من خلال الزوج على وجه الخصوص، فمن هذه العقبات: أولاً: قصور فهم الزوج وعدم وضوح رؤيته لشخصية المرأة ودورها، أو عدم إدراكه لأهمية الدعوة بالنسبة للمرأة، وهذا لا شك أنه يحول دون أية ممارسة دعوية، وأكرر: نحن نريد لزوجاتنا طبيبات ولا نريد أن يكشف عليهن الأطباء، ونريد لبناتنا في المدارس وفي الجامعات مدرسات ولا نريد أن يدرسهن الرجال، ولا نريد أن نقدم أو أن نشارك بجزء! فكيف يتم لنا ما نريد؟! فلو شارك هذا بجزء من خلال مشاركة زوجته وهذا بجزء، فستكتمل الدائرة.

ولا يستطيع حمل الأعباء عدد محدود من النساء، فإنه إذا منع هذا زوجته ومنع هذا زوجته فلن يكون هناك إلا قلة من النساء، وسيكون العبء عليهن كبيراً، ولو أردن أن يقمن بهذا العبء فسيكون ذلك على حساب بيوتهن وأزواجهن.

حتى أنظمة التعليم والطب الآن لو نظرنا فيها لوجدنا أنه يمكن للمرأة أن تدرس في المدارس فترة معينة من الزمن، حتى إذا شغلت بأبنائها تركت هذا المجال وجاءت غيرها، فإذا سمح الرجل في ذلك الوقت فإنه يكون قد بذل وضحى، ثم يأتي غيره ويشارك، وهكذا، أما هذه الصورة فيمكن أن تكون معيقة لهذا الجانب.

ثانياً: عدم التعاون مع المرأة.

فهو قد يسمح لها لكنه عملياً لا يحقق الصورة التنفيذية، فيقول: لا مانع من أن تعطي درساً.

لكنه لا يوصلها بسيارته، أو لا يقوم بمشاركة إيجابية في بعض الأحوال، وهو أن يأخذ الأبناء في ذلك الوقت إلى نزهة -مثلاً- أو يعللهم بأمر ما في تلك الفترة القصيرة، فالنساء ليس عندهن مشاركات دعوية طويلة المدى، إنما هو درس في حدود ساعة أو ساعة ونصف ثم ترجع إلى بيتها، ولذلك فإن المحدودية هنا من قبل المرأة ينبغي أن يقابلها تعاون من قبل الزوج.

ونجد أن بعض الأزواج لا يقدر الظروف التي تكون للمرأة، فهي إذا شاركت وسمح لها بالمشاركة لا شك أن ذلك يتعبها، وقد يجعلها تقصر بعض التقصير في أمور يحتملها الزوج إن كان مدركاً، وإن كان راغباً فيما يصلح المجتمع وفيما يعود بالأجر عليه وعلى زوجته، فلو كان هناك تقصير في الأمور العادية قد يقع أحياناً من المرأة غير الداعية -كتقصير في الطبخ أو في الكنس- فينبغي له أن يتجاوز عن مثل هذه الأمور في سبيل ما قد احتملته المرأة في هذا الميدان من ميادين الدعوة والقيام بها.

وينبغي أن لا يكون مطالباً بكل الحقوق؛ لأن المرأة لو طالبت بكل الحقوق فكذلك سيكون هناك تقصير، ألسنا نشكوا من أن الرجال أو الشباب الدعاة يخرجون من بزوغ الفجر الأول أو مع أول انبثاق نوره ولا يعودون حتى ينتصف الليل، فأين حق الزوجة؟ وأين حق الأبناء؟ فالمرأة تغتفر ذلك؛ لأنها تعلم أن زوجها يقوم بمهمة ورسالة، فليكن من الزوج -أيضاً- نوع من هذا التعاون، فلا يطلب أن تكون زوجته قائمة بتمام الزينة، ويريدها أن تكون دائماً في أبهى حلة وأن تتابع كل جديد من الأزياء.

نعم إنَّ التزين مطلوب منها، لكنه إذا أراد أن تكون داعية فكيف يسوغ له أن يلفت نظرها عن أمر الدعوة إلى أمر الزينة والموضة كما قد يحصل أحياناً؟! أيضاً هناك أمور أخرى بالنسبة للمجتمع، فقد يُنظر أحياناً إلى المرأة التي تقوم بواجب الدعوة وتذهب إلى درس هنا، وإلى محاضرة هناك، وتشارك في برنامج هنا وبرنامج هناك -ينظر إليها أنها امرأة متفلتة متسيبة، وهذه النظرة غير صحيحة، سيما إذا التزمت المرأة بالضوابط التي أشرنا إليها من مراعاة حق زوجها وأبنائها، ومشاركتها المعدة مسبقاً حتى لا تحيف على شيء من واجباتها، أقول: هذه النظرة تعود علينا بالسلبية، فنحن نريد -كما قلنا- أن يكون في صفوف البنات في المدارس دعوة حتى يحفظن من التيار الجارف الذي يفسدهن ويغريهن بكثير من الإثارات، فمن ستقوم بهذه المهمة إلا المرأة الداعية، فإذا نظرنا إلى المرأة التي تكون مدرسة ثم تلقي محاضرة في مدرسة ومحاضرة في مدرسة من خلال برامج التوعية، إذا نظرنا إليها نظرة ازدراء فمن سيقوم بهذه المهمة بين فتياتنا وبناتنا؟! وهناك عوائق مادية تقع بالنسبة للمرأة، والحق أن التفهم والإدراك لطبيعة المرأة وموقعها في التصور والمنهج الإسلامي، والنظر إلى صورتها الحقيقية في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم يجعلنا نعرف أهمية الدعوة النسائية وما تعود به من منفعة للمجتمع وننظر إليها النظرة التي ستشكل صورة التعاون الإيجابي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015