وأخيراً المرأة بليغة قوية الحجة، يظهر ذلك في الحديث الطويل والقصة التي وردت في حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها لما جاءت إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو بين أصحابه وقالت: (بأبي أنت وأمي يا رسول الله أنا وافدة النساء إليك) هذه المبعوثة الرسمية من النساء، وهذا يدل على أن للنساء رأياً، فقد اجتمعن وتشاورن ورأين حاجتهن إلى أمر أو افتقارهن إلى إجابة سؤال، فبعثن من تقوم بهذا الأمر.
وقد قالت هنا أسماء: أنا وافدة النساء إليك، ثم خاطبت الرسول عليه الصلاة والسلام وهو بين أصحابه، فقالت: (إن الله عز وجل بعثك إلى الرجال والنساء كافة، فآمنا بك وبإلهك، إننا معشر النساء مقصورات محصورات، قواعد بيوتكم وحاملات أولادكم، وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات، وشهود الجنائز والحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله عز وجل، وإن أحدكم إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مجاهداً حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا أثوابكم، وربينا لكم أولادكم، أفنشارككم في هذا الأجر والخير؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال: هل سمعتم مسألة امرأة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها؟ فقالوا: يا رسول الله! ما ظننا أن امرأة تهتدي لمثل هذا -كأنهم رأوا في ذلك تميزاً وعقلاً واعياً ولفظاً جامعاً وحجة قوية وأدباً جماً في الوقت نفسه- فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم وقال: افهمي -أيتها المرأة- وأعلمي من ورائك من النساء أن حسن تبعل المرأة لزوجها يعدل ذلك كله.
فانصرفت المرأة وهي تهلل).
هذه صور حية هي عظة وقدوة لنساء اليوم، وهي كذلك تذكرة للرجال أن من بين النساء من تكون على قدم سابقة في الدعوة، وعلى قدم راسخة في العلم، وعلى إيمان واحتساب وتوكل وعبادة وخير عظيم ينبغي أن لا ينكر، بل ينبغي أن يذكر وأن يشكر، وكلنا أبناء لأمهات قمن بتربيتنا وبتوجيهنا وبتأديبنا، فلما شببنا عن الطوق وكبرنا نسينا أننا تخرجنا من مدرسة الأمومة، ثم بعد ذلك فئنا إلى ظلال الزوجة نحتاج منها إلى قضاء الوطر، ونحتاج منها إلى تهيؤ المستقر، ونحتاج منها إلى حفظ الأولاد والأموال، وننطلق بعد ذلك ونغفل عنها ولا نذكر لها فضلاً أو لا نعرف لها قدراً.
وأيضاً تأتينا بعد ذلك بناتنا وهن من زهرة الحياة الدنيا، وكل ذلك ينبغي أن يكون مذكراً لنا بفضل المرأة ومكانتها.
وأختم الحديث بأن أقول: إن الأمر المهم هو أن ندرك وأن نفهم تصور الإسلام ومنهجه للمرأة المسلمة، وأن نعرف أن هذا التصور أخرج لنا هذه الأمثلة، وقد رأيت واطلعت على صور كثيرة من مشاركة المرأة المسلمة مشاركة إيجابية في كثير من مناحي الحياة ونفعها للمجتمع المسلم، ليس من مجرد قصص وأخبار تأريخية، بل من الأحاديث الصحيحة في البخاري ومسلم وغيرهما، وهذا ما كان إلا لهذا المنهج الإسلامي الكامل الشامل، وجاءت بعده هذه الصور، فنحن بين أمرين: لابد من أن نفهم المنهج، وأن نحسن التطبيق.
وعدم فهم المنهج واختلال التصور فيه اختلالاً كبيراً يؤدي إلى عدم وجود أمثلة صحيحة نافعة، وفي الوقت نفسه فإن ضمور الأمثلة وعدم وجودها بين صفوف النساء إنما هو لعدم التزام المنهج، فإنه قد يفهم ولكنه لا يلتزم، ولذلك لابد من الأمرين.
وكما قلت: إن حديثنا عن المرأة والدعوة سيستكمل -إن شاء الله تعالى- بذكر ما يتعلق باحتياجنا للمرأة الداعية، وسنتحدث عن مواصفات المرأة الداعية، وعن مجالات الدعوة النسائية، وعن العوائق التي تعوق المرأة في طريق دعوتها، وما يتعلق بأمور عملية ومشاريع وأفكار ينبغي لنا أن نطبقها وأن نحسن تطبيقها حتى ينتفع النساء وينتفع المجتمع بشكل عام.
فإنه -على سبيل المثال- لابد من أن يحرص كل رجل على زوجته وبناته أن يحضرن مجامع الخير، وأن يسمعن الذكر عبر الشريط، وعبر حضور خطبة الجمعة في المسجد، وعبر حضور الدرس أو المحاضرة إن أمكن ذلك ولم يكن هناك مانع شرعي.
وكذلك يسعى إلى أن يكون للنساء ارتباط بالأنشطة النسائية ومشاركة فيها، وأن يكون حريصاً على تفقيه أهله وتعليمهم، فإن لم يكن عنده القدرة أو العلم أو الوقت فإنه يسعى إلى أن يكون لهن صلة بنساء لهن حظ من العلم وخبرة وقدم في التربية والدعوة، فيحصل الخير بذلك إن شاء الله، وينفع بذلك نفسه وأهله.
والله أسأل أن يوفق ويسدد.