ونعلم جميعاً أن المرأة كذلك محتسبة تصبر وتتحمل، وحسبنا في ذلك الحديث الصحيح عن أنس رضي الله عنه قال: (أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام، فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله! قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يك في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تك الأخرى لترين ما أصنع -وفي رواية: اجتهدت عليه في البكاء- فقال: ويحك! أَوَهبلت؟! أوجنة واحدة هي؟! إنها جنان كثيرة، وإنه في جنة الفردوس).
والشاهد أنها قالت: ما جزاؤه عند الله؟ فإن عرفت أنه في الجنة صبرت واحتسبت.
ولابد من أن تكون المرأة المسلمة متأسية بهذا الجانب، فنحن نرى في كثير من نسائنا هلعاً وفزعاً لا يليق بإيمان المرأة المسلمة، فهي تخاف على ابنها من نسيم الهواء أن يخدش خده، كما قال القائل مبالغاً: أغار عليك من إدراك طرفي وأخشى أن يذيبك لمس كفي فأجتنب اللقاء حذار هذا وأعتمد التلاقي حين أغفي هذا الأمر الذي فيه نوع مبالغة في التحوط لا شك أنه لا يليق بالمرأة المسلمة، نعم قد يقال: طبيعتها محبة ابنها وخوفها على بنيها أو زوجها.
لكنه لا يبلغ ذلك المبلغ؛ لأن عندها عصمة من الإيمان.
وحسبنا -أيضاً- أم سليم وزوجها أبو طلحة، وقصتها معلومة حين كان ابن أبي طلحة مريضاً، وجاء إليها في الليل يسألها وكان ابنها قد مات، فقال: ما حاله؟ قالت: قد هدأت نفسه.
وتعني أنه قد فاضت روحه، ثم تهيأت لزوجها وتصنعت له حتى عاشرها في ليلتها، فلما أصبح قالت له: ما رأيك في بني فلان كان عندهم عارية لقوم فلما جاءوا وطلبوها غضبوا؟ قال: العارية مستردة.
فقالت: فإن ابنك كان عارية عندك وإن الله قد استرد عاريته.
فغضب وذهب إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام يشكو صنيع هذه المرأة، فأثنى النبي عليه الصلاة والسلام على صنيعها، ودعا لها وله بالبركة، فرزق ذرية كثيرة صالحة طيبة كثر خيرها وطال عمرها، فهذا نموذج للمرأة المسلمة المحتسبة.