الأمر السابع: استقلالها المحمود.
فإن الله عز وجل قد ذكر لنا من قصص المؤمنات ما يدل على أن المرأة مستقلة بشخصيتها، وأن هذا الاستقلال في كثير من المواضع يكون محموداً، إذ لو قلنا: إن المرأة لا شخصية لها مطلقاً بل هي تابعة.
فإن هذه التبعية قد تؤدي بها إلى ما لا تحمد عقباه، فإن كانت بنتاً لأب وكان الأب كافراً كانت تبعاً له، أو كان فاسقاً كانت تبعاً له، وكذا إن كانت تابعة لزوج.
لكن الله عز وجل ضرب لنا الأمثلة بقوله سبحانه وتعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:11] فامرأة فرعون وسط الطغيان في بيئة الكفر استقلت بشخصيتها وبرأيها، واهتدت إلى الإيمان والتوحيد والإسلام وسط بيئة الكفر والجحود والنكران.
وذكر الله سبحانه وتعالى لنا من شأن النساء في القرآن صوراً كثيرة جداً تتصل بتميز شخصية المرأة، فهناك أمر طاعتها لربها واستجابتها لمولاها يتجسد في قصة أم موسى عليه السلام عندما أمرها الله عز وجل أن تضع وليدها في التابوت وأن تقذفه في اليم فاستجابت لهذا الإلهام الرباني.
وتبدي لنا الآيات القرآنية صورة المرأة ذات الفطنة والحيلة والذكاء تتجسد في قصة أخت موسى عليه السلام لما أرادت أن تحتال لتعيد موسى إلى أمه حتى يرضع منها، قالت: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} [القصص:12] فالتمسته بذكائها وفطنتها، وبأسلوب غير مباشر وغير لافت للنظر، في وقت كان التهديد عظيماً، والقتل مستحراً في كل من يولد ذكراً من أبناء بني إسرائيل، لكن هذه المرأة كان عندها من الفطنة ما أوصلها إلى حصول بغيتها كما قضى الله عز وجل وقدر.
ويعرض لنا صورة المرأة بشخصيتها المتميزة في الموقف العظيم لـ أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي عليه الصلاة والسلام وأم المؤمنين رضي الله عنها لما جاء أبو سفيان ليوثق العهد ويطيل المدة بعد أن أخلت قريش بصلح الحديبية، فقصد بيت ابنته أم حبيبة لتكون شفيعة له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جاء ليجلس طوت عنه الفراش، فقال: لا أدري -يا بنية- أرغبت عني بالفراش أم رغبت بالفراش عني؟! فقالت له: إنك امرؤ مشرك نجس، وإن هذا فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم! عجيبة هذه الشخصية للمرأة المؤمنة! فمن أين جاءت؟! لقد جاءت من توافر كل ما يؤيد وجودها وتقويتها في منهج هذا الدين.
وكذلك نجد هذه الصورة في صورة البذل والفداء التي يعرضها لنا الله عز وجل في القرآن الكريم من خلال قصة امرأة عمران التي نذرت ما في بطنها أن يكون نذراً ووقفاً لله عز وجل كما هو معروف في القصة بطولها.
كذلك يبين لنا شخصية المرأة من حيث شكواها بالنسبة للاعتداء على حقها واعتراضها لما قد يقع عليها من أذى، يتجسد ذلك في الآيات القرآنية في أول سورة المجادلة في قصة خولة بنت ثعلبة لما ظاهر منها زوجها، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وشكت له حالها بعد طول عشرتها، قالت له: نثرت له كنانتي، وربيت له أبناءه، ثم بعد ذلك قال: أنت علي كظهر أمي.
وإني أخاف فتية إن تركتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا.
فكان لها في شخصيتها وتميزها ما جعلها تبدي هذا الرأي وتشكو هذه الشكوى، والأمر في ذلك -أيضاً- طويل جداً.