كانت فاطمة شبيهة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قالت عائشة رضي الله عنها: (ما رأيت أحداً كان أشبه سمتاً وهدياً ودلاً برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة، كانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها وقبلها وأجلسها في مجلسه، وكانت إذا دخل عليها قامت إليه وأخذت بيده وقبلته وأجلسته في مجلسها) رواه أبو داود في السنن.
وفي رواية عند البخاري في الصحيح تخبر فيها عائشة بما كان من آخر أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: (إنا كنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده جميعاً لم تغادر منا واحدة، فأقبلت فاطمة تمشي ما تخفى مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها رحب بها وقال: مرحباً بابنتي).
وفي حديث مسور بن مخرمة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني) رواه البخاري في الصحيح، والبضعة: القطعة من اللحم.
وفي رواية من هذا الحديث في الصحيح أيضاً: (مضغة مني)، وفي رواية حذيفة: (شدنة مني) أي: قطعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان عليه الصلاة والسلام ينص على ذلك ويذكره، وكانت عائشة رضي الله عنها حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبصر الشبه وتدرك المقام وتعرف الصلة وتعرف وتدرك خفقات قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنته الحبيبة الأثيرة رضي الله عنها.
وهذا ابن عباس رضي الله عنه يروي أن المصطفى عليه الصلاة والسلام دخل على علي وفاطمة رضي الله عنهما وهما يضحكان، فلما رأيا النبي عليه الصلاة والسلام سكتا، فقال لهما عليه الصلاة والسلام: (ما لكما كنتما تضحكان فلما رأيتماني سكتما؟! فبادرت فاطمة فقالت: بأبي أنت يا رسول الله، قال هذا -تعني علياً -: أنا أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فقلت: بل أنا أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك.
فتبسم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقال: يا بنية! لك رقة الولد، وعلي أعز علي منك)، وهذا من بديع قوله وفصيحه ومن حسن مأخذه عليه الصلاة والسلام، (لك رقة الولد وعلي أعز علي منك)، رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
وفي رواية مسور الأخرى: (فاطمة شدنة مني يبسطني ما يبسطها، ويقبضني ما يقبضها، وإنه تنقطع يوم القيامة الأنساب إلا نسبي وحسبي) أو كما قال عليه الصلاة والسلام، والحديث رجاله ثقات كما ذكره الهيثمي في المجمع.
وعن عمران بن حصين قال عمران: (إني لجالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت فاطمة فقامت بحذاء النبي صلى الله عليه وسلم -يعني: مقابلة له- فقال: ادني يا فاطمة فدنت دنوة، ثم قال: ادني يا فاطمة.
فدنت دنوة، فقال: ادني يا فاطمة.
فدنت دنوة حتى قامت بين يديه، قال عمران: فرأيت صفرة قد ظهرت على وجهها، وذهب الدم من شدة الجوع وشظف العيش.
قال: فبسط النبي صلى الله عليه وسلم بين أصابعه ثم وضع كفه بين ترائبها -أي: عظام صدرها- فرفع رأسه وقال: اللهم! مشبع الجوعة، وقاضي الحاجة، ورافع الوضعة، لا تجع فاطمة بنت محمد.
قال عمران: فرأيت صفرة الجوع قد ذهبت عن وجهها وظهر الدم، ثم سألتها بعد ذلك فقالت: ما جعت بعد ذلك يا عمران) رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عتبة بن حميد وثقه ابن حبان وضعفه غيره، وبقية رجاله ثقات.
وهذا يدلنا على مكانتها ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم لها، وحسبنا بذلك منقبة وفضيلة وشرفاً وعزاً وكرماً لا يدانيها فيها غيرها كما سيأتي في تعليل ذلك، وفي حديث أبي ثعلبة الخشني -وقد رواه ابن عبد البر في الاستيعاب- قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من غزو أو سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين، ثم يأتي فاطمة، ثم يأتي أزواجه) لم؟ لأنها وحيدة بناته التي بقيت رضي الله عنها وأرضاها.
وهذا ابن سعد في الطبقات يروي عن ابن أبي ثابت قال: كان بين علي وفاطمة كلام -أي: شيء من الخلاف- فدخل النبي عليه الصلاة والسلام فألقوا له شيئاً فاضطجع عليه، فجاءت فاطمة فاضطجعت من جنب، جاء وعلي فاضطجع من جنب، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ويدها فوضعها على سرته ثم أصلح بينهما، وخرج عليه الصلاة والسلام، فقيل: دخلت وأنت على حال وخرجت ونحن نرى البشر في وجهك! قال: (وما يمنعني وقد أصلحت بين أحب اثنين إلي) رضي الله عنهما وأرضاهما.
هكذا كانت فاطمة رضي الله عنها شبيهة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وحبيبة إلى قلبه، وكانت مضرب مثله، ومضرب المثل لا يكون إلا في العزيز القريب الأثير، ألم يقل عليه الصلاة والسلام: (يا فاطمة بنت محمد! اعملي لا أغني عنك من الله شيئاً)؟ لم يخصها بالذكر؟ لقربها وحبها.
ألم يقل عليه الصلاة والسلام يوم قصة المخزومية: (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)؟ إنه يدل على تعظيمه ومحبته لها عليه الصلاة والسلام.
وذكر ابن حجر في الإصابة عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال: كانت فاطمة أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم وأحبهن إليه، سئلت عائشة رضي الله عنها -كما روى الترمذي في سننه بسند حسنه- فقيل لها: (أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: فاطمة.
قيل: فمن الرجال؟ قالت: زوجها.
إن كان كما علمت صواماً قواما).
وتكلم الذهبي في السير على صحة هذا الحديث، وإن كان قد حسنه الترمذي ورواه الحاكم وصححه.
وفي حديث بريدة: كان أحب النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة ومن الرجال علي.
قال إبراهيم النخعي: يعني: من أهل بيته.
ورواه الترمذي كذلك.