وهناك صور أخرى ينبغي أن نتنبه لها منها: قضية شخصية المرأة، وهنا يتحدث إلينا كثيرون من الذين يزعمون أنهم متحررون فيقولون: إنكم لا تنظرون إلى المرأة إلا من الجانب الجنسي، وترون أن المرأة عورة؛ وما ذلك إلا لأنكم تنظرون بمنظار الشهوة، فنقول لهم: ما هي نظرتكم أنتم معاشر القوم المتقدمين؟! فيقولون: نحن ننظر إلى المرأة بثقافتها وفكرها وشخصيتها وعلمها، فنقول: كلامكم حسن معسول، لكن في داخله السم، وهو غير واقعي، والأمثلة تشهد بذلك، فعندما تأتي إلى بعض الوظائف وخاصة الوظائف التي في الواجهة كما يقولون، فالمطلوب سكرتيرة تجيد كذا وكذا وكذا، فإذا تساوت -ولا نقول دون ذلك- امرأتان في المهارات اللازمة للوظيفة، وكانت إحداهما أعلى من الأخرى بقليل إلا أن الثانية أجمل وأكثر غنجاً ودلالاً، فأيهما يتم اختيارها من قبل الرجال والمدراء؟
صلى الله عليه وسلم في الغالب الأعم، والذي تشهد به الإعلانات -كما سأشير الآن- هي تلك، فنقول: فأين شخصية المرأة وعلمها؟! بل قد يقدم من ليس لها تلك المهارات، ولا تلك المؤهلات؛ لأن هناك لفت نظر إلى جانب آخر.
وعندما تقرأ إعلانات طلب توظيف المضيفات على الطائرات فإنك تقرأ وقد قرأت ذلك بعيني: أن يكون السن من كذا إلى كذا، فما فائدة هذا السن في المهمة والوظيفة؟! لا شيء، ثم أن تكون جميلة حسنة المظهر، فما فائدة ذلك أيضاً في نفس الخدمة ذاتها؟! ليس هناك شيء مقبول، إلا أن هناك شيئاً آخر يفرض نفسه وهو: أن المرأة ينظر إلى جمالها وإلى أنوثتها، وهذه هي الحقيقة شاء من شاء وأبى من أبى.
ثم ننظر كذلك إلى الحضور العقلي والعلمي، والحضور الأنثوي والجمالي، إن المرأة إذا تحدثت إلى الرجال أو اختلطت بهم في أي أمر من الأمور المحمودة، وفي جو نظيف، فهناك حضوران: حضور علمي فكري، وحضور أنثوي جمالي، فإذا تركنا المرأة غير محجبة انصرف الناس عن علمها وعملها، ونظروا إلى دقة ساقيها، وإلى جمال عينيها، وإلى بياض بشرتها، وذلك واضح أيضاً في أجواء العمل كما سنشير إليه، وإن حجبناها بقي علمها، وأما من قال: إننا إذا حجبناها لم تعد عالمة، ولم تستطع أن تكتب، أو أن تتحدث، أو أن تقوم بأي عمل من الأعمال، فنقول: ليس هذا بصحيح، فنحن منعنا الناس أن ينشغلوا بجمالها عن علمها وعملها، وكما يقول أحد الكتاب في غير بلادنا: نحن إذا جئناك -أيتها المرأة- وأنت في وظيفة من الوظائف فإنما نريد الخدمة، ونريد العمل، ونريد إنجاز المهمة، فإذا كشفت شعرك وذراعيك شغلنا عن ذلك بهذا.
فالمرأة إذا سُترِتْ أدت دورها، وبقي جمالها، وبقيت أنوثتها لبيتها وزوجها وأسرتها وأبنائها، وهذه هي فلسفة الحجاب من وجه صحيح.
إحدى الشركات البريطانية الكبرى أصدرت تعميماً لموظفيها تقول فيه: إنها تطلب من النساء عدم لبس الملابس القصيرة والمثيرة، لماذا؟ لأنهم وجدوا أن هناك انشغالاً عن العمل من قبل الرجال؛ بسبب طريقة لبس بعض زميلاتهم، وهذا بدهي وواضح كما قلنا.
وهكذا نرى أن الحجاب تشريع يحفظ شخصية المرأة، ويربي فيها المعاني السامية، ويحفظ نفسيتها مستقرة، ويوفر شيئاً من مالها، ويحمي عرضها ونفسيتها من عدوان المعتدين: بنظرات آثمة أو بكلمات نابية أو باعتداءات جنسية والعياذ بالله! وهنا يبقى المجتمع كله فيه نوع من الأمن والاستقرار.
تلك بعض وجوه الرعاية في تشريع واحد من تشريعات المرأة ألا وهو: والحجاب، وما وراء ذلك أكثر.
نسأل الله عز وجل أن يردنا إلى ديننا رداً جميلاً، وأن يأخذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد، وأن يلهمنا الرشد والصواب، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يصرف عنا ما لا يحب ويرضى.
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واهدنا اللهم لما اختلف فيه من الحق بإذنك، وأخرجنا من الظلمات إلى النور.
اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.
اللهم طهر قلوبنا، وزك نفوسنا، وأصلح أعمالنا، وحسن أقوالنا، وهذب أخلاقنا، وضاعف أجورنا، وارفع درجاتنا، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك الصالحين، وأن تكتبنا في جندك المجاهدين، وأن تجعلنا من ورثة جنة النعيم.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، يا سميع الدعاء! اللهم مكن في الأمة لأهل الخير والرشاد، واقمع أهل الزيغ والفساد، وارفع في الأمة علم الجهاد، وانشر رحمتك على البلاد والعباد، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس رايات الكفرة والملحدين.
اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء! اللهم عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، أرنا اللهم فيهم عجائب قدرتك، وعظيم سطوتك، أنزل اللهم بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، وخذهم أخذ عزيز مقتدر يا رب العالمين! اللهم رحمتك ولطفك بعبادك المؤمنين المضطهدين، والمعذبين والمشردين والمبعدين، والأسرى والمسجونين، والجرحى والمرضى يا رب العالمين! اللهم امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وعجل فرجهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم، وزد إيمانهم، وعظم يقينهم، واجعل ما قضيت عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين، واجعل لنا ولهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية يا سميع الدعاء! اللهم انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين! واجعل اللهم هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، واصرف اللهم عنا الفتن والمحن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين، اللهم احفظ أمن بلاد الحرمين وأمانها، وسلمها وسلامها، ورزقها ورغد عيشها، اللهم اجعل ذلك دائماً مستقراً مستمراً يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك أن تولي علينا خيارنا، وألا تولي علينا شرارنا، وفق اللهم ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء! عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله استجابة لأمر الله {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]، وترضوا على الصحابة الكرام، أخص منهم بالذكر ذوي القدر العلي، والمقام الجلي: أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً، وعلى سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم صل وسلم وبارك على نبيك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
{وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45].