الأمر الرابع -وهو مهم جداً- معرفة سير الأنبياء والعلماء والدعاة والصالحين.
أولئك الذين جعلوا أرواحهم على أكفهم، أولئك الذين سخروا أموالهم لدينهم، أولئك الذين جعلوا حياتهم كلها نموذجاً مثالياً لأمر الله ولأمر وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانظر إلى رسل الله وإلى أنبيائه، ألم يقف موسى عليه السلام وأمامه البحر ومن خلفه فرعون وجنوده في لحظة من اللحظات التي سدت فيها الأبواب وأظلمت الدنيا وانقطعت الأسباب؟ فقال قومه وهم ليسوا على مثل إيمانه ويقينه: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61] وجاءوا بالصيغة المؤكدة، أي أنه لا مجال للنجاة مطلقاً، فجاء جواب اليقين ولسان الإيمان: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] أي: لن تكون هذه هي النهاية؛ لأن وعد الله لم يتم، ولأن سنته لا تكون كذلك، فأي شيء كان بعد؟ قال عز وجل: {اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء:63] فنجا موسى ومن معه، وغرق وهلك فرعون ومن معه في لحظات؛ لأن القوة الإيمانية واليقينية عند موسى عليه السلام كانت تمثل هذه القوة التي نبحث عنها وندعو إليها ونتواصى بها ليعود البحر من جديد فينفلق؛ لأن سنة الله واحدة، وإن تغيرت الصور والأشكال.
وهذه قضية مهمة، وليس ذلك في شأن الرسل والأنبياء فقط، لكننا نأخذ العبرة الأولى منهم، قال عز وجل عن نوح عليه السلام: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} [الصافات:75] فلمَ كانت الإجابة؟ لأن نوحاً عليه السلام دعا ألف سنة إلا خمسين عاماً، ولأن نوحاً دعا سراً وجهاراً، ولأن نوحاً لقي العناء وصبر، ولأن نوحاً عليه السلام لم يكن معه إلا قلة قليلة، وثبت على دين الله ونسي دنياه، ومع ذلك جاءته النتيجة الخاتمة لهذا كله كما قضى الله سبحانه وتعالى، وهكذا نمضي فنرى هذا على ما هو عليه.
نسأل الله عز وجل أن يعظم الإيمان واليقين في قلوبنا، وأن يجعل ديننا وإسلامنا أوكد همنا، وأعظم شغلنا، وأعظم ما نُعنى به؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.