أولاً: الحسيبة النسيبة.
عمن نتحدث؟ من هذه الشخصية التي نتجاسر على أن نذكرها، ونمر على سيرتها، ونشنف الآذان بذكرها، ونعطر الأنوف بعبق ريحها الطيب الأخاذ، ونملأ القلوب بمعاني الإيمان في مواقفها العظيمة ومآثرها الجليلة؟! من هذه الشخصية والناس يبحثون عن الأحساب والأنساب؟! فهل ثمة حسب أو نسب يمكن أن يضاهي ما لـ فاطمة رضي الله عنها؟ فمن أبوها؟! إنه محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، حسب الشرف، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله نظر إلى بقايا العرب والعجم فمقتهم جميعاً إلا بقايا من أهل الكتاب)، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (فاصطفى العرب، واصطفى كنانة من العرب، ثم اصطفى قريشاً من كنانة، ثم اصطفى بني هاشم من قريش، ثم اصطفاني من قريش، فأنا خيار من خيار من خيار) ذلك هو صلى الله عليه وسلم.
وأما حسب الدين فمن مثله عليه الصلاة والسلام؟ قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40]، وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:29].
وأما حسب الخلق فحسبك قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]، فمن مثل أبيها صلى الله عليه وسلم؟! وإن جنحنا إلى أمها فـ خديجة بنت خويلد، وما أدراك ما خديجة بنت خويلد؟! أم المؤمنين، وأول أزواج الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، لم يجمع معها غيرها، ولم يتزوج إلا بعد وفاتها، ومن هي في حسبها وشرفها ديناً وخلقاً ونسباً؟ هي الشريفة المعروفة في حسبها ونسبها رضي الله عنها، وأما حسب الدين فهي أول من آمن بسيد الخلق صلى الله عليه وسلم، هي أول من تلقى خبر الوحي، هي أول من كان المثبت المعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جاء يرجف فؤاده فقالت: كلا والله لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
جاء جبريل عليه السلام إلى سيد الخلق صلى الله عليه وسلم يقول له: (إذا أتتك خديجة فاقرأ عليها السلام من ربها عز وجل ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب) رواه البخاري والترمذي.
هي واحدة من قلائل النساء الكمّل في هذه الدنيا؛ لما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا خديجة ومريم بنت عمران وآسية زوج فرعون).
وفضائلها كثيرة جداً، قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد).
وروى البزار والطبراني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين).
ولننظر إلى زوج فاطمة فارس الفرسان، أول المسلمين من الفتيان، ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب الفارس المغوار الشجاع البطل الهمام الكمي رضي الله عنه وأرضاه، قال أبو رافع (أول من أسلم من الرجال علي، وأول من أسلم من النساء خديجة) رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي).
قال الذهبي رحمه الله في مقدمة ترجمة فاطمة رضي الله عنها: سيدة نساء العالمين في زمانها، البضعة النبوية، والجهة المصطفوية، بنت سيد الخلق رسول الله أبي القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، القرشية الهاشمية، أم الحسنين رضي الله عنها وأرضاها.
ونعيش هذه المعاني وقد خفق بها قلب إقبال الشاعر الكبير فقال: نسب المسيح بنى لمريم سيرة بقيت على طول المدى ذكراها والمجد يشرق من ثلاث مطالع في مهد فاطمة فما أعلاها هي بنت من هي زوج من هي أم من من ذا يداني في الفخار أباها هي ومضة من نور عين المصطفى هادي الشعوب إذا تروم هداها ولزوج فاطمة بسورة هل أتى تاج يفوق الشمس عند ضحاها أسد بحصن الله يرمي المشكلات بصيقل يمحو سطور دجاها في روض فاطمة نما غصنان لم ينجبهما في النيرات سواها فأمير قافلة الجهاد وقطب دائرة الوئام والاتحاد ابناها هي أسوة للأمهات وقدوة يترسم الفجر المنير خطاها لما شكا المحتاج خلف رحابها رقت لتلك النفس في شكواها جادت لتنقذه برهن خمارها يا سحب أين نداك من جدواها فمها يرتل آي ربك بينما يدها تدير على الشعير رحاها رضي الله عنه وأرضاها.