نماذج من المتسابقين نحو الجنان

خطوة أخرى: سباق نحو الجنان.

ألسنا نريد ذلك في عشرنا التي نرتقبها؟! ألسنا نريدها في كل أعمال الطاعات والعبادات؟! ارقبها وانظر إليها في صور وضيئة مشرقة نادرة عزيزة المثال في حياة البشر، انظر إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى مسلم من حديث أنس رضي الله عنه وهو يتحدث عن غزوة بدر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض) وليس القيام هنا إلى تلك الجنة بقيام ليل ولا بتلاوة قرآن، ولكن بمجاهدة عدوٍ وإعزاز دين ورفع رايةٍ، (قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، فسمع عمير بن الحمام فقال: يا رسول الله! جنة عرضها السماوات والأرض -يستوثق ويتأكد-؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم.

فقال عمير: بخ بخ.

فقال له المصطفى عليه الصلاة والسلام: ما يحملك على ما قلت؟ قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها.

فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: فأنت من أهلها.

فأخرج تمرات يأكلها، ثم قال: ما أطولها من حياة حتى أتمها.

فرمى بتمراته وانطلق يغمس نفسه في العدو حتى قضى شهيداً إلى الله عز وجل) إنها أقوال تترجم إلى أعمال، إنها أخبار يراها المؤمنون رأي العين، ليس مجرد تصوير، بل كأنما لمسوها وكأنما عاينوها، كما قال أنس بن النضر في يوم أحد: (وآه لريح الجنة، والله إني لأجد ريحها دون أحد).

ترجمت تلك المعاني إلى سباق حقيقي إلى الجنان ببذل المهج والنفوس والأرواح، لا بمجرد الاقتصار على جزء من الطاعات والعبادات دون غيرها.

وتأمل وتدبر في حادثة أخرى لعلها أقل شهرة، وربما لا يعرفها كثير من الناس، ذكر ابن حجر في الإصابة عن ابن شهاب في مغازيه أن خيثمة وابنه سعد أنهما استهما في يوم بدر للخروج -كان لا بد من أن يخرج أحدهما ويبقى الآخر؛ لأن لهما من شئونهما ومن واجبهما تجاه أهلهما ما يحتاج إلى بقاء أحدهما- فاستهما قرعة، فجاء السهم لـ سعد الابن، فأراد أن يخرج، فقال له أبوه: ألا تؤثرني بذلك يا سعد؟! فرد سعد بكلام فيه التوقير والإجلال والاحترام: لو كان غير الجنة يا أبي.

فمضى سعد واستشهد في بدر، ومضى من بعده خيثمة في أحد ومضى شهيداً).

فاته بدر فلم تفته أحد.

فهل رأينا صورة أروع من هذه الصورة تصديقاً للإيمان وبرهاناً على اليقين ونصرة للدين؟! لم يكن أحدهما يتأخر والآخر يتقدم، بل كانا يتسابقان، فلم يجدا إلا قرعة تفصل بينهما، فلما خرجت القرعة للابن أراد الأب أن يستغل مكانه ومقامه وقدره واحترامه فقال: آثرني بها يا سعد! ولو كان الأمر في ميدان آخر لتأخر الابن وقدم أباه، لكنه قال: لو غير الجنة يا أبي لآثرتك بها.

أي أن هذا ميدان لم يعد فيه مجال لإيثار، وأي ميدان هذا؟ إنه ليس ميدان صف الأقدام في القيام، ولكنه ميدان قعقعة السيوف وضرب السهام، ميدان إزهاق الأرواح وإفضائها إلى ربها ومولاها سبحانه وتعالى، فكم نحن في حاجة ونحن نستبق إلى مرضاة الله ونطلب جنانه في عشرنا الأواخر إلى أن ندرك أن دورنا جميعاً ودور أمتنا أن ترفع راية الجهاد في سبيل الله والذود عن دين الله، وأن تكون جبهة واحدة في وجه أعداء الله عز وجل، ليس مجرد تلك العبادات وحدها، فإن من هذه العبادات ما نعلم أنه ذروة سنام الإسلام، ألا وهو الجهاد في سبيل الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015