لئن كان هذا الحق للرجل فإن للمرأة حقاً أيضاً يكافئ هذا الحق، ويجعل له حده وضوابطه التي تتحقق به المصلحة، فللمرأة حق الخلع في مقابل حق الطلاق للرجل؛ لأن المرأة قد تقول: هذا الرجل متى أبغض المرأة له حق أن يطلقها، فما شأن المرأة إذا أبغضت زوجها، أو إذا لم تشأ أن تستمر في الحياة معه، بحيث لا يكون ذلك لأدنى سبب ولا لأتفه عارض وإنما لسبب جوهري؟! فهل يحكم عليها أن تبقى في عقده وتحت سلطانه وهي غير راضية أو غير راغبة في ذلك؟
صلى الله عليه وسلم كلا، فإن لها حق الخلع من زوجها، ولكن هذا لا يكون أيسر كما في الأمر الأول، بل له ضوابط منها: أنه ينبغي للمرأة أن تبدي الأسباب التي تستدعي الخلع للقاضي الذي يقضي بذلك ويعطيها حقها، وقد وقع ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ووقع في صورة تبين فيها رعاية الإسلام لحق المرأة ومراعاة مشاعرها وعواطفها، والحفاظ على حياتها وعلى استمراريتها على ما يترجح فيه مصلحتها.
فهذا ابن عباس كما في صحيح البخاري وغيره يقول: (إن امرأة ثابت بن قيس جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني لا أعيب على ثابت في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام)، وفي رواية أخرى عند البخاري: (ولكني لا أطيقه) أبدت أنها قد انقبضت من نفسها، وتمكن كرهه وبغضه من قلبها، وأنها لا تعيب عليه في خلق ودين، فكيف لو كان يعاب في خلق ودين بحكم الشرع؟! لكان لها حق أولى من هذا.
قالت: (إني لا أعيب عليه في خلق ولا دين ولكني لا أطيقه).
وفي الرواية الأخرى: (ولكني أكره الكفر في الإسلام).
قال بعض أهل الشروح من المحدثين: إنها تكره أن تكفر العشير؛ لما في قلبها من بغضه، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (أتردين عليه حديقته؟ -أي: التي دفعها لها مهراً لها عند زواجه بها- قالت: نعم، قال: فردي عليه حديقته، وفسخ النبي صلى الله عليه وسلم نكاحها).
فهذا يدل على هذا الحق، ولكن ليس الأمر مرسلاً ومطلقاً على ما قد تقتضيه أهوية النساء، أو تدفعهن إليه عواطفهن، فإن هذا الأمر جد خطير، إنه فصل لميثاق غليظ ولعقد عظيم قد عظمه الله عز وجل وعظم شأنه؛ فلذلك ينبغي ألا يكون هذا الأمر مفهوماً عند النساء أو عند المرأة على صورة ساذجة، كما قد تتأثر بوسائل الإعلام والتمثيليات، إذا كلمها زوجها كلمة ما قالت له: طلقني، أو قالت له: لا أستطيع الحياة معك، كلا، فقد ورد في الحديث عن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (أيما امراة سألت زوجها طلاقها من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) رواه أبو داود والترمذي وحسنه، وأخرجه ابن حبان في صحيحه.
قوله: (أيما امرأة سألت زوجها طلاقها من غير ما بأس) أي: إن كان هناك بأس وأمر مشروع فلها أن تطلب الطلاق، أما إن كان من غير ما بأس وإنما لمجرد التشهي والهوى، أو لمجرد الإغراء والإغواء، أو التأثر بالأجواء الاجتماعية والأعراف غير الشرعية؛ فإن هذا من أعظم الأمور وأخطرها.