إن الحاجة إلى الطلاق أمر قد تفرضه طبيعة الحياة، فما هو الحل إذا انقبضت النفوس بين الزوجين، وحصلت النفرة واختلاف القلوب بينهما، أو وجد من أسباب النزاع والخلاف واختلاف وجهات النظر ما لا يكون معه وفاق ولا اتفاق؟! لو لم يكن ثمة مخرج لهذا التشريع وما فيه من الأحكام والضوابط لانقلب الأمر إلى جحيم لا يطاق، ما ظنك بزوج وزوجة يرغمان على الحياة معاً تحت ظل سقف واحد وهما يبغضان بعضهما ولا ينسجمان مع بعضهما؟! كيف يكون الحال؟ سيوجد عسف وظلم واعتداء من الرجل، ونكود وجحود وإعراض من المرأة، وضياع للذرية وللجيل الناشئ في ظل هذا النزاع والشقاق والخصام الذي ينفرط معه العقد، والذي لا تتحقق بالوجود في ظله الأهداف المنشودة للأسرة الإسلامية، من حصول الأنس والمودة والسكن بين الزوجين، وحصول الرعاية والتربية والتنشئة الصالحة للذرية، ومن ثم إذا تعذرت استمرارية الحياة الزوجية بما يحقق أهدافها كان الطلاق في هذا الشأن نوعاً من العلاج، ودواء يشفي هذه الأسقام داخل الأسرة، ومعلوم أثر هذه الأسقام وما تنشئه من بلايا ورزايا في المجتمع كله، فإن الرجل قد ينطلق في خارج هذا الجو المحموم والمرأة كذلك، فيحصل من ذلك من الفساد المعنوي والحقيقي ما الله سبحانه وتعالى به عليم.
والمسيحية في بعض مذاهبها تمنع الطلاق؛ تزعم في ذلك أنها تقدس الطلاق، وتزعم في ذلك أنها تكرم المرأة وتحفظ حقها، ومع ذلك يشهد الواقع بأن مثل هذا الأمر غير مقبول على الإطلاق والدوام، وغير منضبط أو متحقق في سائر الأحوال والزيجات، ولابد أن هناك ما يستدعي وجود الطلاق، ولذا قال بعض أولئك الذين كانوا في ظلال المسيحية ثم أكرموا بنعمة الإسلام: لقد حرّمت المسيحية الطلاق، لكن في الوقت نفسه نجد أنظمة بلادها وقوانينها الرسمية تنص على إباحته، وفي المقابل أيضاً فإن الغرب الذي في بعض مذاهبه يمنع الطلاق فيه اليوم نسبة الطلاق أعظم بكثير وبأضعاف مضاعفة من نسبة الطلاق في مجتمعات المسلمين؛ لأن الطلاق في الإسلام له أحكامه وآدابه، التي لو التزمها أبناء الإسلام لما كثرت وفشت فيهم نسبة الطلاق.
إذاً: فإن هذا الأمر هو من الدواعي التي قد تقتضيها شئون الحياة، فلما كان كذلك مما تقتضيه الحياة ومما تقتضيه الفطرة جاء شرع الإسلام به.