وهكذا ختمت هذه الحياة العطرة التي كانت في أولها هجرة وفي آخرها شهادة لـ جعفر بن أبي طالب، وسطر حسان بن ثابت ذلك الموقف العظيم والشهادة المباركة لشهداء وقواد غزوة مؤتة، فكان مما قاله رضي الله عنه: غداة مضى بالمؤمنين يقودهم إلى الموت ميمون النقيبة أزهر أغر كضوء البدر من آل هاشم أبيٍّ إذا سيم الظلامة مجسر فطاعن حتى مات غير موسدٍ بمعترك فيه القنا تتكسر فصار مع المستشهدين ثوابه جنان وملتف الحدائق أخضر وكنا نرى في جعفر من محمد وقاراً وأمراً حازماً حين يأمر وما زال في الإسلام من آل هاشم دعائم عز لا ترام ومفخر وبعد حسان بن ثابت جاء كعب بن مالك فأرسل شعره رثاءً، فقال: وجداً على النفر الذين تتابعوا يوماً بمؤتة أسندوا لم ينقلوا صلى الإله عليهم من فتية وسقى عظامهم الغمام المسبل صبروا بمؤتة للإله نفوسهم حذر الردى ومخافة أن ينكلوا إذ يهتدون بجعفر ولوائه قدام أولهم فنعم الأول حتى تفرجت الصفوف وجعفر حيث التقى وعث الصفوف مجدل فتغير القمر المنير لفقده والشمس قد كسفت وكادت تأفل فذهب ومضى أبو المساكين رضي الله عنه، والمساكين يندبون فقده، وذهب فارس الفرسان، والشجعان يندبون فقده، ومما قاله العلماء والأئمة في ذكره ووصفه، ما جمع هذه الألقاب والمناقب كلها.
فقد صدَّر الذهبي رحمه الله ترجمته في السير بقوله: السيد الشهيد، الكبير الشأن، علم المجاهدين، أبو عبد الله ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي الهاشمي، أخو علي بن أبي طالب وهو أسن من علي بعشر سنين، هاجر الهجرتين، وهاجر من الحبشة إلى المدينة، فوافى المسلمين وهم على خيبر إثر أخذها، فأقام بالمدينة أشهراً، ثم أمَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش غزوة مؤتة بناحية الكرك، فاستشهد، وقد سر رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً بقدومه، وحزن -والله- لوفاته.
لقد أوجز الذهبي رحمه الله إسلامه وسبقه، وهجرته وفضله، ثم إمرته وجهاده واستشهاده رضي الله عنه بهذه الكلمات العظيمة الدالة على فضل جعفر رضي الله عنه.