قرابة جعفر بن أبي طالب من النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلته عنده

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فباسم الله نبدأ، وعليه نتوكل، ونسأله سبحانه وتعالى التوفيق في كل ما نأتي وما نذر، ونسأله الإخلاص في القول والعمل، وأن يجنبنا الفتنة والزلل، ونسأله أن يجمعنا في مستقر رحمته ودار كرامته في مقعد صدق عند مليك مقتدر إخواناً على سرر متقابلين.

أخي الكريم! حديثنا عن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه الشهيد الطيار.

وجعفر رضي الله عنه واحدٌ من خريجي مدرسة النبوة المباركة، المدرسة التي خرجَّت لنا معالم القمة والقدوة في سائر جوانب الحياة، في العقيدة صفاءً وعمقاً وثباتاً، وفي العبادة كثرةً وإخلاصاً وخشوعاً، وفي الفكر إدراكاً ونضجاً ووعياً، وفي المعاملات المالية ورعاً وبذلاً وزهداً، وفي سائر جوانب الحياة المختلفة.

ووقفاتنا مع الصحابي الجليل جعلتها في خمس محطات: الأولى: في الحب والقرب.

والثانية: في التضحية والهجرة.

والثالثة: في الفطنة والدعوة.

والرابعة: في الجود والكرم.

والخامسة: في الشجاعة والإقدام.

ولقد نال جعفر رضي الله عنه في كل هذه الجوانب قصباً من السبق عظيماً، وقدراً وافراً كريماً، ولعل هذه الوقفات الموضوعية تعيننا على الانتفاع من سيرة جعفر رضي الله عنه، وهي كذلك لا تخلو أو لا تقطع سير وسرد الحياة التي كانت له في صورة قصص وأحداث.

ونبدأ بمحطتنا الأولى محطة القرب والحب، فـ جعفر قريب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبيب.

وأما قربه فمن وجوهٍ كثيرة، فهو ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ إذ هو جعفر بن أبي طالب، واسم أبي طالب: عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم، وهو الأخ الشقيق لـ علي وعقيل ابني أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، وأمهم جميعاً فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، فالنسب موصولٌ برسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة الأب ومن جهة الأم.

وقد أسلم جعفر بن أبي طالب -كما ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب- بعد علي رضي الله عنه بقليل.

وروى ابن إسحاق -كما نقل عنه ابن عبد البر وكذلك ابن حجر في الإصابة- أنه أسلم بعد واحد وثلاثين رجلاً، وكان هو الثاني والثلاثين.

وفي روايةٍ أخرى أنه كان الخامس والعشرين، فهو من السابقين الأوائل إلى الإسلام.

وورد في بعض الروايات أن الذي دعاه هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

وفي روايات أخرى -وإن كانت الروايتان السابقتان أشهر وأظهر- أنه كان في أوائل من أسلم بعد خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وعلي بن أبي طالب وزيد وبلال والمقربين القريبين من رسول الله عليه الصلاة والسلام.

وبالجملة فإن الذين سبقوا إلى الإسلام كانت لهم مزايا ومحاسن هي التي جاءت بهم إلى الإسلام دون غيرهم ممن أعرضوا وصدوا وممن قاوموا وآذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذين أسلموا وأقبلوا على الإسلام كان لهم زكاء نفس، ورجاحة عقل، وطهر قلب، ثم أراد الله عز وجل قبل ذلك بهم الخير، فأقبل بقلوبهم على الإسلام ومتابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015