وينطلق كثير من الناس إلى نظرات مادية فيقول: لعل هؤلاء القوم تغيرت أحوالهم الاقتصادية فأصبح عندهم ارتفاع في مستوى المعيشة، وبالتالي تغيرت أنماط حياتهم أو سلوكياتهم أو طريقة كلامهم ومعاملاتهم ونحو ذلك، وقائل قد يقول: لعله قد تغيرت أنماط من حياتهم الاجتماعية بأن وفد إليهم أقوام آخرون، أو بأن سافروا واغتربوا ورحلوا إلى بلاد أخرى ونحو ذلك.
وإذا جئنا إلى هذه الحقيقة التي ضربنا بها المثل في بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن قريشاً هي كما هي ما تغير اقتصادها، ولا أمور حياتها الاجتماعية، هي كما هي في رحلة شتائها وصيفها في كبريائها وغطرستها في أحرارها وساداتها وفي عبيدها وهي كما هي في شرب خمرها وفي لهوها وعبثها ما تغير فيها شيء في أحوالها المادية.
فما الذي إذاً غير هؤلاء الناس؟ ما الذي غير العقول؟ ما الذي غير النفوس؟ ما الذي غير الكلمات؟ ما الذي غير الأعمال؟ ما الذي صاغ الأفكار؟ ما الذي غير كل هذا التغيير الجذري الشامل وبنى هذا البناء العظيم المتكامل؟ سنجيب بكلمة باردة ربما لا ندرك شأوها وعظمتها، سنقول: إنه الإيمان إنها بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ولكنا نريد أن نعمق ذلك من خلال الآيات القرآنية أيضاً، فقد وصف الله جل وعلا بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ووصف الرسالة التي جاء بها، وما حقيقتها، وما الذي جاءت به إلى البشرية: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ} [الشورى:52].