وإذا مضينا فإننا نرى صوراً كثيرة، فعمل المرأة لا أحد من أهل العلم والعقل والبصيرة وفهم هذا الدين يقول: إنه محرم في كل وجه وفي كل صورة.
وإن ذلك يمثل -كما يقولون- ضيقاً في الفكر وتحجراً في الرأي، وتشدداً في التعامل، كلا، لكننا نقول: أتجعلون أصل حياة المرأة مبنياً على العمل؟ وتقولون: إن المرأة التي لا تعمل -أي: خارج المنزل- معطلة، وأكثر من نصف المجتمع معطل؟ خذوا -أيها القوم- ما يقوله من تتغنون بهم في الغرب، فهذه دراسة أمريكية على المرأة ربة الأسرة القابعة في بيتها التي تزعمون أنها مقيدة ومكبوتة وأنها معطلة، هذه الدراسة تقول: إنها بالتحليل العلمي تقوم بسبع عشرة وظيفة، فهي طاهية، وهناك من تعمل طاهية، وهي ممرضة؛ لأنها تمرض أبناءها، وهناك مهنة ممرضة، وهي خادمة لأنها تخدم، وهي مدبرة منزل، وتلك وظيفة، وهي كذا وكذا، حيث عدوا سبع عشرة وظيفة، وقالوا: إن عدد الساعات التي تعملها قد تصل في اليوم إلى تسع عشرة ساعة، فأعطوني امرأة تعمل في دوام تسع عشرة ساعة! وعندما قدروا المبالغ المالية قالوا: إن جملة أجرها في العام ينبغي بموجب هذا التحليل أن يصل إلى خمسمائة ألف دولار (نصف مليون دولار).
فكل واحد يقرر لزوجته هذا المبلغ الآن؛ لأنها تقوم بهذه الوظائف.
ثم انظر إلى العمل التي تقوله الدراسات في بلادنا العربية، فنحو ألفين وخمسمائة امرأة عاملة في بلد عربي كبير أجريت عليهن دراسة، فقالت هذه الدراسة: إن نحو سبعين في المائة يتعرضن للمضايقات في الأعمال بسبب الاختلاط بالرجال، وإن من هذه المضايقات أربعاً وخمسين في المائة منها تأخذ أشكالاً جنسية، وسبع عشرة في المائة هي عبارة عن تحرش جنسي! وأما في بعض الدول الخليجية فأجريت دراسة عن سبب عمل المرأة، فوجد أن خمساً وثلاثين في المائة من العينة كان سبب عملها إرادتها لتحقيق الذات؛ إذ ليس ثمة حاجة، ولكن تريد أن تقول: إني امرأة عاملة.
وتريد أن لا يقال لها: إنك في البيت معطلة.
أو: إنك زيادة عدد لا قيمة لك ولا فائدة، وأربع وثلاثون في المائة قلن: إنهن يعملن لشغل أوقات الفراغ، وأربع وعشرون في المائة قلن: إنهن يعملن لأجل الكسب والإعانة على مصاعب الحياة.
وعندما نأتي إلى التحليل نجد دراسات أخرى تقول لنا: إن نحو أربعين في المائة مما تحصله المرأة من أجرها ينفق على ملابسها وزينتها عند خروجها لعملها، فنحو الثلث أو أكثر قد ذهب منها في غير فائدة، وكثير من الدراسات التي أجريت على العاملات في الخليج قالت: إن نسبة أكثر من خمسة وسبعين في المائة من أولئك النساء لدى كل واحدة منهن خادمة في البيت أو أكثر لاحتياجها، فستنفق أيضاً راتباً عليها.
وقالت دراسة في اليابان: إن إجمالي ما يعود من اقتصاد المرأة على الاقتصاد العام لا يزيد عن عشرة في المائة؛ لأن المال الذي تحصله المرأة تنفقه كثيراً على أمور تخصها مباشرة، ولا يوظف فيما قد يكون من تنمية اقتصادية عامة.
وبعد ذلك لا نقول هذا، وإن كان يقوله أهل العلم والاقتصاد والتحليل والخبرة، ولا نقول: إن كل امرأة يجب أن تكون في بيتها ولا يجوز خروج امرأة للعمل، ولكنا نقول: تعمل في ميدان يناسبها، وبضوابط شرعية تحفظها، ولمدة بحسب الحاجة، حتى تعود إلى مملكتها، فهل تريدون أن تبقى المرأة عاملة حتى تبلغ الستين لتتقاعد كما يتقاعد الرجل؟! اتقوا الله.
وقد جاءت الاحصاءات بأن أكثر من ثمانين في المائة يقلن: إن العمل يشكل لهن جهداً مضاعفاً؛ لأنها ستعود إلى بيتها، وسيكون لها عمل مع أبنائها ومع أسرتها ومع شئون منزلها، ولا يكون ذلك كذلك حتى في بلاد أخرى.
تقول الاحصاءات: إن اليابانيين الرجال لا يقضون إلا عشرة في المائة من الوقت في مجال خدمات المنزل، وأما تسعون في المائة منه فهو للنساء، فلعل اليابانيين يلحقون بنا ركب المتخلفين؛ لأنهم جعلوا مهمة التربية ومهمة رعاية الأسرة للمرأة، فنحن تخلفنا لذلك، ولعلهم يلحقون بنا ويصيرون متخلفين عند أولئك الذين يقولون هذه المقالات.