أولها: الخصائص النفسية: فإن المرأة مجبولة على العاطفة الفياضة، والحنان المتدفق، ألا ترون ذلك فيما صورته أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وهو يريد أن يبين هذه العاطفة، وذلك حين قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوماً وقد كان يمر ببعض الأسرى وامرأة تأخذ وليدها فتضمه إلى صدرها فيقول: (أرأيتم هذه طارحة ولدها في النار؟! قالوا: يا رسول الله! هي أرحم به من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لله أرحم بكم من هذه بولدها) لكنه أراد أن يبين أن الرحمة الإنسانية في أعلى صورها إنما هي عند المرأة الأم.
وذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم الحديث الذي كان من أقضية سليمان عليه السلام، وهو أن امرأتين تنازعتا في طفل، كل واحدة تدعي أنها أمه -فبأي شيء حكم؟ - قال: أحكم بأن يشق نصفين، فتعطى كل واحدة نصفه، ولم يكن يريد أن يكون هذا حكماً منفذاً؛ لكنه عندما قاله قالت إحداهما: لا تفعل، هو لها وهي أمه، فهل أقرت بهذا على أن تلك أمه؟ كلا، بل حكم لها بأن تأخذ هذا الابن؛ لأنه أثبت أن رحمتها به آثرت حياته ولو كان بعيداً عنها، فأيقن أنها أمه، هذه الصورة من الرحمة والعطف والحنان كيف ينشأ الأطفال إذا حرموا منها؟! لماذا تشكو المجتمعات الغربية اليوم ممن يسمونهم (التن إيجرس) الذين هم أبناء ما فوق العاشرة والعشرين؟! لماذا ترون هناك أبناء الخامسة عشرة وهم ينفذون جرائم قتل كاملة؟! إنهم لم يجدوا حناناً ولا عطفاً من الأم، عاشوا في بيئة صحراوية من المشاعر والعواطف، عاشوا في بيئة ليست مستقرة في ظلال الأسرة الوارفة، فخرجوا إلى المجتمع أشراراً لا يبغون فيه إلا فساداً.
وانظروا إلى الصبر والاحتمال، وهو من الطبيعة النفسية عند المرأة على الصغار كما قلت من قبل، هذه أم طفل ترضعه، وآخر يحبو تنتبه له، وثالث يدرج توجهه، وتعيش في هذه المملكة ما لو عاشه الرجل كما قلت ساعة واحدة لكاد أن يساق إلى مستشفى المجانين، كيف ذلك؟! لأن الله جعل لها صدراً رحباً، واحتمالاً عظيماً في هذا الباب ليس له نظير.