ومن هنا أنتقل إلى تصوير هذه المهمة: إن مهمة المرأة المربية كمهمة الدولة الحاكمة، أليست الدولة الحاكمة لها رعايا تحتاج إلى تدبير شئونهم الاقتصادية، ورعاية أمورهم السياسية، ومعرفة أحوالهم القضائية وغير ذلك من الأمور؟ والأم كذلك تقوم بدور مجلس الوزراء كله، فهي تقوم بمهمة تربية وتعليم، وثقافة وإعلام، وإدارة واقتصاد، ومهمة صحة جسدية ونفسية، وقس على ذلك غيره من الأحوال المختلفة، فإنك ستجد أن القول الذي يطلق وهو: أن المرأة ملكة في بيتها ليس مجرد تصوير تشريفي أو لبيان المكانة، بل هو كذلك لبيان الدور والرسالة، فهي تقوم بهذه الأدوار كلها، وتقوم بتلك المهمات جميعها، وتسوس تلك الدولة المصغرة في عش الزوجية والأسرة الآمنة، فهل ترون هذا الدور بعد هذا التصوير دوراً هامشياً تافهاً، أو دوراً يحتقر وينتقص، أو دوراً يرى أنه ليست له فائدة ولا أثر؟! وقفة مع النظرة التي تغيرت وتبدلت نحو السوء وللأسف في واقع مجتمعاتنا إلى الأم المربية إلى ربة المنزل إلى الزوجة الحانية، إلى التي تهدهد بيدها سرير رضيعها؛ وهي بذلك تهدهد أوضاع الحياة من حولها: هذه المرأة المربية عندما نفقدها في المجتمع تحصل لنا مشكلات كثيرة، اليوم تجد بعض النساء تستحيي أن تقول: إنها ربة منزل، اليوم تجد وسائل الإعلام في غالب أحوالها تقول: إن نصف المجتمع مشلول معطل إذا كانت المرأة في بيتها، فكأنها في بيتها ساهية لاهية عابثة لا تقوم بدور، ولا تؤدي مهمة ولا تقدم نفعاً، ولا تقرب فائدة بحال من الأحوال، ثم كذلك فوق هذا أصبحت المنافسات لهذه المهمة كثيرة، وهي متعددة ومتنوعة، صرفتها شواغل من الإعلام الذي صرف عقول النساء، واستلب أوقاتهن، وغير أفكارهن، وأوجد الخلل في مشاعرهن.
وجانب آخر في صور اجتماعية فارغة كثيرة، أصبحت المرأة حاملة حقيبتها، ماضية في هذه المناسبة أو تلك، وفي هذه الزيارة أو تلك، وبعد ذلك كأنما ليس وراءها مهمة، وليس عندها حصن تقوم عليه وترعاه وتحرسه، وبعد ذلك العمل الذي تشعبت نواحيه، والذي أصبحنا اليوم نسمع ضرورته وأهميته، وأنه يجب ألا تبقى امرأة إلا وقد عملت في كل ميدان، وفي أي وقت، وفي سائر الأنحاء، وكأنها ليست هناك مهمة.
وليس هذا منعاً لعمل المرأة في كل جوانب الحياة التي يشرع فيها العمل، وفي قدره وبحاجته، ولكننا ندرك أننا سنجني ثماراً مرة كلما وسعنا هذه الدائرة وأطلقناها، ورغبنا فيها على حساب معرفة المهمة الكبرى للمرأة.