وبعد ذلك: ربوا أبناءكم: إن الذي يفشل في ميدان إنشاء الجيل الصالح، والنبتة التي تثمر خيراً وظلالاً وارفاً، وثماراً يانعة للإسلام والمسلمين، فإنه فيما سوى ذلك يكون أكثر فشلاً.
أبناؤنا بين أيدينا، مسئوليتهم في أعناقنا، أقواتهم بعد فضل الله عز وجل من أيدينا، ثم بعد ذلك كله ماذا نصنع؟ وأي مهمة نقوم بها؟ أليس كثير من هذا الأمر المهم ضائعاً غير مرعي ولا ملتفت إليه؟ ما بالنا نشكو من انحراف الشباب؟ من هم أولئك الشباب أو الشابات؟ أليسوا هم أبناء لهذا وهذا؟ أليس لهم مسئولون من آباء وأمهات فرطوا في الأمانات، وضيعوا المسئوليات؟ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].
قال ابن كثير رحمه الله: قال مجاهد في تفسير هذه الآية: اتقوا الله وأوصوا أهليكم بتقوى الله.
وقال قتادة: تأمرهم بطاعة الله، وتنهاهم عن معصية الله، وتقوم عليهم بأمر الله، وتأمرهم به، وتساعدهم عليه.
وقال الضحاك: حقٌ على المسلم أن يعلم أهله وقرابته وعبيده ما فرض الله عليهم، وما نهاهم الله عنه قال تعالى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن:14].
هذه مهمة عظيمة! وهذه قضية خطيرة! إن المرأة التي يخطط الأعداء لإفسادها نحن تركنا ميدان المرابطة، وجعلناهم يتسللون من خلف ظهورنا، وإلى عقر دورنا، ونحن غافلون، وتاركون للمرابطة والمهمة الجسيمة.
وأقولها مرة أخرى: إن لم نرب أبناءنا وبناتنا فلا يحق لنا أن نشكو من سوء الأحوال في مجتمعاتنا، وهذه مهمة ليس لأحد فيها عذر، لن يأتي حاكم ليفسدك في بيتك، لن تمنع قوة في الأرض كلها أحداً أن يعلم أبناءه في قعر بيته.
ولقد ذكرت مراراً أن الشيوعية الحمراء التي سقطت بعد سبعين عاماً ظهر من تحت الأرض في الأقبية شيوخ حنيت ظهورهم كانوا يقرئون أبناءهم وأحفادهم القرآن في منتصف الليل على ضوء الشمع، فتكشفت سبعون عاماً من الكفر عن جذوة إيمان متقدة في القلوب، وألسن عجمية ناطقة بآيات الله في تلاوة حسنة بديعة رائعة! فهل قال أولئك: إنهم معذورون، وإن المناهج التي تدرس لا تدرس الإسلام أو لا تدرس القرآن؟ ونحن مناهجنا تدرس ذلك، ومع ذلك لا نقوم بمجرد التذكير والتأكيد والتعليم لأبنائنا على هذه المعاني المهمة! ما بال أبنائنا وألسنتهم قد أصبحت من أشد الألسنة في الفحش والسباب والشتم واللعن حتى صارت تلعن الدين، وتسب الذات الإلهية والعياذ بالله! ما بال ألسنتهم قد صارت تنطق بألسنة القوم من الكافرين، الذين أصبح من أبنائنا من يتكلم بلسانهم، ومن يخفق قلبه بمشاعرهم، ومن يميل هواه إلى هواهم؛ وذلك لأننا فرطنا في بيوتنا ومدارسنا، وفي مجتمعاتنا ومنتدياتنا، وفي إعلامنا وفي منهاجنا في كثير من ذلك.
وأقولها مرة أخرى في نداءات ثلاثة: اقتربوا منهم، وكونوا قدوة لهم، لا يصلح الفرع ما لم يصلح الأصل، كيف نريد أن نكون مربين لأبنائنا ونحن أسبق منهم إلى ما ننهاهم عنه؟! إنها كارثة عظيمة أن كثيراً من انحرافات الأبناء والبنات ناشئة من سلوك الآباء والأمهات، فكيف نرجو حينئذ أن تكون الأجواء صالحة والأجيال الناشئة أجيالاً خيرة؟! وهذه قضية مهمة أسلفنا فيها القول عندما نادينا بإصلاح الأنفس، فكونوا قدوة لأبنائكم، علموهم ورغبوهم في العمل.
أيها المؤمن! أبناؤك أمانة في عنقك، علمهم دينهم، علمهم معاني الخير، علمهم سير الأصحاب، علمهم سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، كن عاملاً من عوامل الخير والإرشاد لهم، ثم رغبهم في هذا العمل، وكن معهم قدوة حتى تتدرج الأحوال، ويصبح هذا النبت الصغير هو عدة المستقبل علماً وعملاً وتقوى وإصلاحاً، وذلك هو الأمر المهم، وهو السلاح الخطير الذي ما جاءت قوى الشر اليوم إلا عندما رأت بذرته في المساجد تحفظ القرآن الكريم، وفي مجالس العلم تتلقى سنة وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
عندما وجدوا الأمهات وهن يحرصن على العفاف والحجاب والستر، ويردن أن يبقين على ذلك ولو فصلن من أعمالهن، ولو منعن من تعليمهن، ليس في بلاد الكفر فحسب؛ بل في البلاد الإسلامية، وليس في البلاد الإسلامية فحسب؛ بل في بلاد عربية إسلامية، يوم رأوا ذلك قالوا: هنا مكمن الخطر، لئن هزمنا هذا الجيل فإن أجيالاً قادمة ستهزمنا بقوة إيمانها وإسلامها، حولوا بينهم وبين تنشئة جيل جديد على الإسلام.
فأنت مستهدف بهذا، وعندك السلاح بيدك، ثم لا تقاوم ولا تعمل شيئاً، وتفرط وتضيع في الأمانة.
وأخيراً: تابعوهم، وقوموا مسيرتهم، قال صلى الله عليه وسلم (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر).
نسأل الله عز وجل أن يصلح ذرياتنا، وأن يصلح نفوسنا وقلوبنا، وأن يردنا إلى دينه رداً جميلاً.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.