ولعلي أشير إشارة قد أكثرت من الحديث فيها من قبل: لئن لم يقو أحدنا أن يغالب راحته، وأن يجاهد نفسه، ويخرج في غلس الليل ليشهد صلاة الفجر، مبكراً إليها، مقدماً بين يديها سنتها التي هي خير من الدنيا وما فيها، فكيف نزعم أننا نستطيع أن نجاهد أعداءنا، وأن نصنع كذا وكذا! {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78]، تشهده الملائكة، وينام عنه مئات الآلاف، بل أحسب أنهم ملايين من المسلمين، يصب الأذان سمعه في ضوء الفجر، ولا يصب في آذان كثيرة قد بال فيها الشيطان كما أخبر رسول الهدى صلى الله عليه وسلم عندما أخبر عن ذاك الذي لا يصلي حتى يوقظه حر الشمس، قال: (ذاك رجل قد بال الشيطان في أذنيه)، أخبر أهل العلم في شرح هذا الحديث بأن المراد: أنه تمكن منه تمكناً حتى جعله موضعاً لقاذوراته ونفاياته.
أفلسنا -أنا وأنت- قد نكون من هذا الصنف في بعض الأحوال؟ وأن بعضاً من المسلمين لم يعد في قائمة حياته وبرنامجه اليومي أن يصلي صلاة الفجر في وقتها، فضلاً عن أن يؤديها في جماعة، وأن وقت الدوام والعمل أو السفر والارتحال أعظم عند كثير من الناس من طاعة الله، وعبادة الله، وأداء فريضة الله، ثم نشكو من بعد ذلك، ولا نطلب الشفاعة التي نلتمسها في طاعة الله عز وجل، ولا نطلب الوقاية والحماية التي أخبر بها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم في حديث جندب بن عبد الله عن رسول الله عليه الصلاة والسلام: (من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم) رواه مسلم.