على المسلم أن يتأمل كم في هذه الصلاة من فضائل عظيمة، حتى إن سلف الأمة رحمة الله عليهم عندما فقهوا هذا فقه الإيمان وعرفوه معرفة العباد الأذلاء لله الراغبين في ثواب الله الخائفين من عقاب الله انعكس ذلك صورة حية في واقع حياتهم، فلم يكن أحد منهم يتخلف عن الصلاة، بل كان الأمر كما ثبت عن بعض الصحابة أنه قال: ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، وإن كان الرجل ليؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف.
فهذا وصفٌ واضح قاطع معروف عند مجتمع الصحابة أن المتخلف عن أداء الصلوات في الجماعات منافق معلوم النفاق، أي: كأن نفاقه واضح بيّن دليله قاطع ظاهر.
ولذا كانوا يحذرون من هذه الوصمة الخطيرة وصمة النفاق، حتى إن الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين، أي: يستند إلى رجل عن يمينه وآخر عن شماله لأنه مريض، لكنه يؤتى به على هذه الصورة حتى يقام في الصف ليشهد الصلاة مع الجماعة، لئلا يكون متخلفاً فيعد من المنافقين.
وانظر إلى ما رواه البخاري في الأدب المفرد من حديث ثابت البناني أنه كان مع أنس قال: فمشيت معه إلى الصلاة، فقارب بين الخطا -أي: جعل الخطا متقاربة وأسرع في المشي- ثم التفت أنس إلى ثابت وقال له: كنت مع زيد بن ثابت فمشى مثل هذه المشية -أي: قارب بين الخطا- ثم التفت إلي -أي: التفت زيد إلى أنس - وقال: مشيت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فمشى وقارب بين الخطا، ثم التفت إلي -أي: التفت الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ثابت - وقال: (إنما فعلت ذلك ليكثر عدد خطانا في طلب الصلاة) هذا فقه النبي الأعظم الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وانعكس ذلك صورة عملية في الصحابة والتابعين وسلف الأمة الصالحين رضوان الله عليهم أجمعين.
وهذا عدي بن حاتم -وهو من الصحابة- يقول: ما دخل وقت صلاة قط حتى أشتاق إليها.
أي: يكون قد بلغ به الشوق أنه ينتظر دخول وقت الصلاة، فإذا جاء وقتها كان كمن ينتظر شيئاً محبوباً إليه طال وقت انتظاره إليه واشتياقه إليه.
ويقول أيضاً: ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء.
أي أن الاستعداد المبكر والتهيؤ قبل دخول الوقت كان من سمة صحابة النبي عليه الصلاة والسلام ومن تأثر بهم من التابعين.
فهذا إمام التابعين سعيد بن المسيب رحمة الله عليه يقول: ما أذن المؤذن منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد.
منذ أربعين عاماً! فلو حسبنا كم في الأعوام من أيام وكم في الأيام من صلوات وما كان يؤذن المؤذن إلا وهو في المسجد طوال هذه المدة! قال عنه بعض أصحابه: صلى أربعين سنة في الصف الأول ما رأى قفا أحد.
أي: لا يصلي في الصف الثاني فيرى قفا من في الصف الأول، بل كان على هذه الحال دائماً.
وفي معجم الطبراني الكبير بسند حسن أن عنبسة بن الأزهر قال: تزوج الحارث بن حسان فصلى الفجر في ليلة زواجه.
أي: في ليلة زواجه صلى الفجر في المسجد.
وهذا أمر مشهور في حياتنا أنه إذا صلى العروس صلاة الفجر في ليلة عرسه فكأنما جاء بأمر غريب.
فقيل للحارث: أتخرج وإنما بنيت بأهلك الليلة؟! فقال: والله إن امرأة تمنعني من صلاة الغداة في جماعة لامرأة سوء.
أي: إن كان الزواج سيمنعني من صلاة الفجر في الجماعة فهذا لا شك أنه أمر سيئ لا يمكن أن يكون في طاعة الله عز وجل.
فهذه الملامح تبين لنا كيف فَقِهَ سلفنا هذا الفقه، وكيف حرصوا على الغنيمة ولم يضيعوها.
فالله نسأل أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يجعلنا متعلقين بالفرائض، حريصين على الأجر والثواب، متسابقين في الخيرات ومسارعين إلى الطاعات؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.