ومن الأمور المعينة كذلك: تذكر الآخرة، فلابد للإنسان أن يتذكر آخرته، وآخرة كل أحد موته، وأن يتذكر الآخرة العظمى التي يخرج فيها الناس لرب العالمين، فإذا استحضر ذلك كان هذا من أدعى الدواعي ومن أعظم الأسباب لحصول الخوف من الله عز وجل، ونزع مغالبة النفس لصاحبها على المعصية، فإن هناك لذة وشهوة في هذه المعاصي، وهناك خوفاً إذا بلغ المدى المطلوب فإنه يحسم هذه اللذة.
ولنضرب لذلك مثالاً: عندما يرى إنسان طعاماً وهو محب له، ونفسه ترغب فيه، ولكنه يعلم أن عليه حراساً، وأنه إذا وضع يده فيه سوف ينال عقاباً وخيماً، وسوف يجلد كذا، فإنه يقول: يكفي أن ننظر إلى الطعام، وأن نشم رائحته وكفى، وإذا علم أن النظر أيضاً إلى هذا الطعام قد يصيبه بالأذى فإن نفسه حتى اللذة القلبية تفطم وتنتهي، فلا يعود محباً لهذا الطعام، بل لو أكل مرة من هذا الطعام ووجد العقوبة ربما يكره هذا النوع من الطعام ولا يعود لنفسه ميل له حتى لو أتي له به؛ لأن نفسه قد أصبحت لا تحبه، لأنه عرف أن مرة من المرات كانت عقوبته في مثل هذه اللذة، وكذلك إذا علم العبد شأن الآخرة وتذكرها وبلغ خوفه منها وخوفه من عقوبة الله فيها مبلغاً عظيماً فإن ذلك يمحو ويطمس كلما في القلب من تعلق بالشهوة وحب للذة التي فيها، ولذلك كان سلف الأمة رضوان الله عليهم على هذا النهج.
مر ابن مسعود على نافخ كير فوقع من خوفه في هذه النار، وكان يمر على الحدادين فيبصر الحديدة وقد أحميت فيبكي رضي الله عنه من تذكر الآخرة، وهكذا كان الصحابة والسلف على مثل هذا الأمر.