أول ما أحب أن أبدأ به هو ما يتعلق بطبيعة الإنسان وفطرته وبيئته: الإنسان خلقه الله عز وجل قبضة من طين ونفخة من روح، فلذلك يجتمع فيه ما يكون داعياً إلى التصاقه بالطين ودنوه وتسفله إلى الأرض والدنيا الدنية، وفيه كذلك نفخة روح الرحمن سبحانه وتعالى التي تسمو به إلى عليين وإلى ملكوت السماوات وإلى الترفع والتحليق في آفاق الرفعة بعيداً عن الدنايا والرزايا والأقذار والأوساخ.
والإنسان بين هذين الجذبين وبين هذين المتنازعين إما أن تغلب روحه وتحلق فيكون في مصاف الملائكة، بل ربما كان أعلى، لأن الملائكة مفطورة على الطاعة، وربما مال إلى شهواته وإلى غذاء بدنه وإلى طينيته ودنيويته وأرضيته فيكون أسفل من الحيوانات، كما قال الله عز وجل: {أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف:179].