ألسنا نذكر ذلك الموقف العجيب الفريد يوم فتح الله على المؤمنين والمسلمين في معركة القادسية على يد سعد بن أبي وقاص، ولما انتهى الفتح أخذ سعد ما في إيوان كسرى -أي: مكان قصره وملكه- من الذهب والجواهر وتاج كسرى المرصع بكل ما هو غالٍ وثمين، فجعله في أشولة، وأعطاها لأعرابي أو لرجل من عرب المسلمين لم يذكر التاريخ اسمه، ولم يعرف الناس نسبه، وأمره أن يمضي إلى المدينة من ذلك المكان البعيد؛ ليبلغ عمر بن الخطاب بخبر الفتح والنصر الإسلامي، ويعطيه ما في إيوان كسرى من الذهب والفضة والحلي والتاج، فذهب الأعرابي، ولم يقيد عليه ما استلمه، ولم يكن هناك جرد لما سلم له، ولم تكن الأختام موجودة، ولم تكن أجهزة الحاسوب راصدة، لكن رقابة الله في القلب حية، لكن أمانة الإيمان في النفس يقظة مؤثرة، فمضى الأعرابي يجر بعيره وعلى ظهره ثروة تطيش لأجلها ولأجل عشرها عقول كثير من ضعاف الإيمان، لكنه لم ينظر إليها، ولم يلتفت إليها، وربما ما علم بها، ووصل إلى المدينة، ووقف بين يدي الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إن سعداً يقرئك السلام، ويبشرك بنصر الله لأهل الإسلام، وهذا تاج كسرى وإيوانه، فطأطأ عمر رأسه متأثراً قائلاً: (إن قوماً أدوا هذا لأمناء).
فجاء التعقيب -كما ورد في بعض روايات التاريخ-: عففت فعفوا، ولو رتعت لرتعوا.
فقد كان عمر رضي الله عنه يحاسب نفسه وأهله على أقل القليل.
ويوم تولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة مضى من يومه يريد أن يعمل ويتكسب من تجارته، فقالوا: قد وليت أمرنا فافرغ لنا، فقال: (قوتي وقوت عيالي)، قالوا: نفرض لك من بيت مال المسلمين، فقدر لنفسه أقل القليل من طعام وشراب فحسب، وليس خزائن مفتوحة ليس لها حصر ولا عد، وليس مالاً سائباً لا يسأل عنه أحد، بل كان فعله وفعل غيره من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فيه مراقبة لله وأداء للأمانة.
إن صوراً من تضييع الإيمان وضعفه تتجلى في حياتنا كثيراً، وتتجلى في ضعف خوف الله، وقلة مراقبة الله، وضعف الحياء من الله، وضعف الأمانة في أداء حقوق الله وحقوق عباد الله، فالله الله في إيمانكم! فإنه ليس محصوراً في صلاتكم وزكاتكم وتلاوتكم ودعائكم، بل هو في سائر جوانب حياتكم.
نسأل الله عز وجل أن يحفظ علينا إيماننا، وأن يجعلنا من المراقبين له والمستحيين منه والمؤدين لأمانته.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.