قال السعدي رحمة الله في تفسيره: فمن أدى الأمانة استحق من الله الثواب الجزيل، ومن لم يؤدها بل خانها استحق العقاب الوبيل، وصار خائناً لله وللرسول ولأمانته ومنتقصاً لنفسه؛ لكونه اتصفت نفسه بأخس الصفات.
أي: صفة الخيانة.
ثم قال: فلما كان العبد ممتحناً بأمواله وأولاده فربما حمله محبته ذلك على تقديم هوى نفسه على أداء أمانته.
أي: أن رعايته ومحبته لأهله وأولاده وماله وثرائه مما يجعله يميل بهواه فيغلب إيمانه، ويطمس بصيرة يقينه، فينطلق إلى لعاعة الدنيا، وإلى ثرائها ومظاهرها وشهواتها وفتنتها، وهو يئد الإيمان في قلبه، ويطفئ إشراقة اليقين في نفسه، وهو يضعف أثر إيمانه، كما أشار إلى ذلك أهل العلم في مثل هذا المعنى، ولو تأملنا لوجدنا اقتران الإيمان بالأمانة جلياً واضحاً فيما أورده الحق جل وعلا من صفات المؤمنين، فلم تقتصر الصفات على صلاة خاشعة ولا على زكاة مؤداة ولا على حفظ للفروج فحسب، بل جاء في الصفات قول الله جل وعلا: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون:8]، أي: يحافظون عليها، ويقومون بحقها، ويراقبون الله فيها، ويخشون الله جل وعلا من خيانتها، وهذا يدل على أنهم أهل إيمان، ولذا استحقوا صفة الإيمان، ووصفوا بصفة الإيمان؛ لأنهم: (لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)، وأما الذين هم لأماناتهم وعهدهم خائنون فقد سلبت منهم هذه الصفات الرفيعة السامية، ونالهم من كدر أضدادها وصفات المنافقين من غير المؤمنين ما نالهم، كما في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)، أفيرضى مثل هذا الإنسان أن يكون متصفاً بصفة نفاق، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (فمن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، ومن كانت فيه تلك الخصال كان منافقاً خالصاً).