الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإن من تجديد الإيمان تجديده في باب الأشواق والأمنيات، فبأي شيء تتعلق أشواقنا؟ وإلى أي أمر تتوق نفوسنا؟ فكم هي ملذاتنا مرتبطة بشئون دنيانا، في مال وفير، وامرأة حسناء، وذرية كثيرة، وقصور ودور، ومراكب وغيرها! تأمل صورة أخرى يقولها علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (متع الدنيا ثلاث: إكرام الضيف، والصوم في الصيف، والضرب بالسيف).
ويزيدها إغراباً وإبعاداً عن أهل الدنيا وأمنياتهم سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه حين قال: (ما ليلة تهدى إلي فيها عروس أنا لها محب بأحب إلي من ليلة شديدة البرد كثيرة الجليد في سرية أُصبح فيها العدو).
تعلقت القلوب والأمنيات بطاعة الله ومرضاته ونصرة دينه حتى بتنا اليوم نقول: أين تلك الأشواق؟ أين أشواق عبد الله بن رواحة يوم كان في مؤتة ينادي: يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها علي إذ لاقيتها ضرابها إنه شوق عجيب إلى الجنان، وقد ترجمه من قبله أنس بن النضر في يوم أحد يوم قال: (واهٍ لريح الجنة؛ إني لأجد ريحها دون أحد).
وقدوة الكل النبي صلى الله عليه وسلم، فهو الذي علمهم وغذاهم وعرفهم وغرس ذلك في قلوبهم ونفوسهم يوم قال: (لولا أن أشق على أمتي ما تخلفت عن سرية قط)، ثم قال: (ولوددت أني قاتلت في سبيل الله فقتلت، ثم أحييت فقتلت، ثم أحييت).
رواه البخاري من حديث أبي هريرة.
فأي شوق هذا؟! وأي توق هذا؟! وأي أمنيات هذه؟! إنها اليوم يا رسول الله أمنيات إرهابية، إنها اليوم أمنيات مجرمة، إنها اليوم مما يستتر به المسلمون ويخفونه، فلا يكاد أحدهم ينطق بكلمة جهاد ولا شوق إلى استشهاد إلا ما رحم الله.
نسأل الله جل وعلا أن يجدد الإيمان في قلوبنا، وأن يعظم اليقين في نفوسنا، وأن يحيي قلوبنا بمعرفته، وأن يشرح صدورنا باليقين به.
اللهم إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى.
اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
اللهم املأ قلوبنا بحبك، ورطب ألسنتنا بذكرك، وثبت أقدامنا على نهجك، واجعل أيدينا منفقة في سبيلك، وأقدامنا ساعية إلى طاعتك، وجباهنا خاضعة لعظمتك، وألسنتنا لاهجة بالتضرع إليك، وقلوبنا مملوءة بالخشية منك يا أرحم الراحمين! اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك الصالحين، وأن تكتبنا في جندك المجاهدين، وأن تجعلنا من ورثة جنة النعيم.
اللهم إنا نسألك أن تجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا يا رب العالمين! اللهم اجعل آخر كلامنا من الدنيا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم ثبتنا بالقول الثابت يوم يقوم الأشهاد يا رب العالمين! ويا أرحم الراحمين! اللهم إنا نسألك أن تصرفنا عن السيئات، وأن تباعد بيننا وبين الشبهات والشهوات، اللهم إنا نسألك أن تعلق قلوبنا بطاعتك ومرضاتك، وأن تجعل ضمأ نفوسنا إلى رضوانك وجنانك برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم إنا نسألك أن تبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء! اللهم مكن في الأمة لأهل الخير والرشاد، واقمع أهل الزيغ والفساد، وارفع في الأمة علم الجهاد، وانشر رحمتك على العباد، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم أحسن ختامنا وعاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم لا تجعلنا نضل وأنت رجاؤنا، ولا نحرم وأنت أملنا، ولا نخيب وأنت معطينا، برحمتك يا رب العالمين! اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين! اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء! اللهم احفظ بلاد الحرمين من كل سوء ومكروه، اللهم احفظ علينا أمننا وإيماننا وسلمنا وإسلامنا وسعة رزقنا ورغد عيشنا، واجعلنا لك شاكرين ذاكرين يا رب العالمين! برحمتك يا أرحم الراحمين! عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]، وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا منهم بالذكر ذوي القدر العلي والمقام الجلي، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
والحمد لله رب العالمين.