كيفية مواجهة الهموم والمشكلات التي نواجهها في واقع حياتنا

هناك أمر ثالث من واقع حياتنا وهو: الهموم والمشكلات التي تضيق بها الصدور، ويعظم همها وكدرها في القلوب، ففي أي الأوبئة هي؟ وفي أي الميادين هي؟ وما الذي يشغل البال؟ وما الذي يطأطئ رءوس الناس؟ وما الذي يجعلهم يخلون بأنفسهم في الليل والخلوات ينفثون من صدورهم زفرات، ويطلقون من أصواتهم آهات؟ فأي شيء حمل الهم في قلوبهم، بل ربما أجرى الدمع من عيونهم؟ إنها أمور من الدنيا فاتتهم، ونعيم من شهواتها لم يصلهم، ومشكلات في حالهم وذاتهم لا تعدوهم إلى غيرهم! عجباً! لمثل هذا الهم والفكر عند مؤمن بالله، ومؤمن بانتهاء الحياة، ومؤمن بالوقوف بين يدي الله، ومؤمن بأن عليه واجباً في دين الله وتجاه دعوة الله وتجاه نصرة دين الله وتجاه التصدي لأعداء الله، فأين همه في دينه؟ وأين همه لأمته؟ وأين همه لدعوته؟ وأين هو من الفاروق عمر رضي الله عنه يوم كشف باله وعظم حزنه وانشغل فكره؟ فقيل له: مالك يا أمير المؤمنين؟! فقال مقالته الشهيرة: (لو أن بغلة عثرت في العراق لخشيت أن يسألني الله عنها: لم لم أسو لها الطريق؟) أتعبت من بعدك يا فاروق! ولا نقول اليوم: إلا إن بيننا وبينك ما بين الثرى والثريا، لم يعد يشغل بالنا مثل هذه الأمور الدقيقة؛ فقد صارت ليس في ذيل القائمة من الاهتمامات بل عدمت ونسخت من الذاكرة، ومحيت من القلوب والنفوس إلا ما رحم الله.

هذا أبو هريرة راوي سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم صاحب الصفة يبكي في مرض موته، فقيل له: ما يبكيك يا أبا هريرة! وقد نلت شرف الصحبة، وحزت الرتبة العليا في رواية السنة؟ فإذا به يقول: (إنما أبكي لبعد المسافة، وقلة الزاد، وعقبة كئود، المهبط منها إما إلى جنة أو نار)، ذلكم هو الإيمان الحي في القلوب، ذلكم هو اليقين الراسخ في النفوس، تلك هي علوم الإيمان العملية القلبية النفسية، تلك هي الدنيا التي تقزمت وتقلصت وتلاشت حتى كاد ألا يكون لها موضع في القلوب ولا مكان في النفوس.

وهذا الضحاك بن مزاحم التابعي الجليل يبكي في يوم من أيامه، فقيل له: (ما بالك تبكي؟ فقال: لا أدري اليوم ما صعد من عملي!) فكل يوم جدير بنا أن نبكي فيه على أنفسنا، فهل ندري ما صعد من أعمالنا؟ ألا نعرف كم في صحائفنا من سواد، ومن كلمات لاغية، وآذان للباطل مصغية، وأقدام لغير مرضاة الله عز وجل ساعية؟ كم يطول همنا وفكرنا لو أننا تدبرنا مثل هذا، وعشنا مع مثل هذه المعاني؟ عجباً لنا! ورسولنا صلى الله عليه وسلم قدوتنا العظمى وأسوتنا المثلى عليه الصلاة والسلام يخبرنا فيقول في دعائه: (اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا)، يقولها عليه الصلاة والسلام وهو الذي ربط حجرين على بطنه من شدة الجوع يوم الأحزاب.

يقولها ويدعو بها وهو الذي قالت عائشة عن حالته: (كان يمر الهلالان والثلاثة ما يوقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار).

يقولها صلى الله عليه وسلم وقد مات ودرعه مرهونة عند يهودي.

يقولها وقد نزل عليه الملك فقال: لو شئت أن تدعو فيجعل الله لك الصفا والمروة ذهباً فيقول: (لا، ولكن أطعم يوماً، وأجوع يوماً)، بأبي هو وأمي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015