الإبادة الجماعية لمسلمي البوسنة والهرسك

إن قضية إخواننا المسلمين في البوسنة والهرسك التي تقترب مأساتها اليوم من عام ونصف العام تقف أحد أبرز الشواهد والمعالم على حقيقة الحضارة الأوروبية الغربية، وعلى حقيقة مواقفها ومبادئها وموازينها، وعلى حقيقة دوافعها ومصالحها التي تلبس على الناس فيها، وتغير فيها وتغير، حتى صدق الناس كثيراً من الكذب لتكراره واستمراره، إن هذه المأساة التي بلغت ما لم تبلغه مأساة إنسانية خلال قرون طويلة مضت، والتي لا يمكن أن يصدق إنسان -لولا أن الواقع ينطق بذلك عبر الصورة وعبر الخبر وعبر السماع وعبر المعاينة- أن مثل هذه الوقائع تقع في القرن العشرين الذي يوشك أن يستقبل القرن الحادي والعشرين، تقع في ظل الأمم المتحدة والنظام العالمي الجديد! تقع هذه الأحداث في ظل المناداة التي صمت الأذان بمراعاة حقوق الإنسان، والمناداة التي تسعى إلى تطبيق العدالة الدولية في كل مكان، رغم ذلك كله تقف هذه القضية الإسلامية لتعري المواقف على حقيقتها، وتبين المبادئ في زيفها وكذبها، ولست في مقام كثير من الوقائع، إلا أن ما استجد من الأحداث يدمي القلوب ويحرك الغيرة في النفوس المسلمة المؤمنة: لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان قد سمعنا وعرفنا، ثم تكرر ذلك علينا حتى نسينا وألفنا، سمعنا عن مئات الألوف الذين قتلوا ليس القتلة الشريفة في الحرب والميدان الواضح، وإنما قتلوا غدراً، ومثل بهم.

وسمعنا وعرفنا عن عشرات الآلاف من الأعراض المنتهكة، وعن عشرات الآلاف من أبناء الزنا من إثر ذلك الاغتصاب في أحشاء وبطون المسلمات البسنويات، وكل ذلك ربما صار في طي التاريخ عند بعض الناس! إلا أن ما استجد من الأحداث أيضاً يبين ويؤكد أن ذلك الصمت المريب، وأن ذلك التباطؤ والتواطؤ إنما يكشف عن حقيقة الدوافع والمبادئ، وكثيرة هي الأحداث والوقائع التي تكشف هذا، وحسبنا أن نعرف أخبار الحصار الأخير الرهيب على (سراييفو) عاصمة البوسنة التي تشتد القبضة حولها، ويعظم الهجوم عليها، ويبلغ الحال بالناس فيها أن يعيشوا في ظلام دامس إذ لا كهرباء، وفي جوع قاتل مميت إذ لا غذاء، وفي عطش قاتل مميت إذ لا ماء ولا رواء، كل ذلك تحت سمع الدنيا كلها، وتحت نظر أوروبا والغرب والحضارة الغربية التي دعمت المواقف الصربية، والتي وقفت أمام المسلمين وقفة شجاعة قوية في نصرة دينها وبني جلدتها ومصالحها، ولم تكن في ذلك تداري إلا بقدر ما تخدع به بعض الناس.

سأذكر بعض الوقائع القديمة، ونقف عند وقائع أخرى حديثة؛ لنرى حقيقة هذه الحضارة الزائفة الجوفاء، ونعرف حقيقة العداء المبني على الولاء والبراء، والمؤسس على العقائد والأديان، وليس على شيء غير هذا مطلقاً، عرفنا جميعاً موقف قائد قوات الأمم المتحدة السابق الذي كان يطبق المثل القائل: (حاميها حراميها)، ذلك الذي شارك الأعداء الصرب في جرائمهم باغتصاب المسلمات، والتمكين لهم فيما يريدون من الفتك بالمسلمين واحتلال الأراضي.

وكذلك نرى موقفاً آخر: عندما كان قائد القوت البريطانية المشاركة ضمن قوات الأمم المتحدة، رأى الهول والفضائع والجرائم؛ فاستيقظت إنسانيته، وصور هذه الجرائم، وصرخ بأعلى صوته، ونشر ذلك في كل مكان، ثم كان الجواب والعمل الذي قامت به دولته المتحضرة البيضاء أن سحبته من موقعه، وجعلت بدلاً عنه آخر لا يتكلم، بل ينظر ويسكت، أو ينظر ويشارك، وذلك هو الأمر الحقيقي الذي تمارسه هذه القوى والجيوش في بلاد الإسلام والمسلمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015