وكلنا يعلم أن الذي وقع في أحد كان بسبب تلك المعصية بنص صريح واضح في كتاب الله عز وجل، وهو قوله سبحانه: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165]، وكما أخبر الحق سبحانه وتعالى في سياق بيان تلك الأحداث في غزوة أحد فقال: {وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} [آل عمران:152]، عصيتم يا معاشر الرماة! وعصيان البعض قد عم أثره الكل.
وقوله سبحانه: (من بعد ما أراكم ما تحبون)، أي: من النصر على عدوكم، وقتلهم، وبدء فرارهم، واضطراب صفوفهم، وذلك بأثر دنيا التفتت إليه قلوب بعضهم.
وقوله: (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة)، قال بعض الصحابة: ما كنت أحسب أن فينا معشر أصحاب محمد من كان يريد الدنيا حتى نزلت هذه الآية.
ولم تكن إرادتهم للدنيا أنهم قد توجهوا لها بكليتهم، ولكنها ومضة من بريقها ولمعانها بدت لهم عند هزيمة المشركين، فتحركت لها قلوبهم ونفوسهم، فكانت هذه النزعة وتلك الخطيئة هي التي ترتبت عليها تلك الجولة التي كان فيها ما كان، وحل فيها ما حل بالمسلمين ورسول الهدى صلى الله عليه وسلم.
واليوم ما زال كثير من المسلمين يسألون ويقولون: لمَ احتلت ديارنا؟ ولمَ اُستلبت أموالنا؟ ولمَ ضاعت هيبتنا؟ ولمَ تمرغت عزتنا؟ وكأنهم لم يدركوا أن خطأً محدوداً واضحاً من فئة محدودة ترتب عليه أن سبعين من صفوة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم مضوا إلى الله عز وجل شهداء، فيهم حمزة أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم، وفيهم مصعب بن عمير درة شباب الإسلام، وفيهم مجموعة من عظماء الصحابة، ودميت جبهة النبي صلى الله عليه وسلم، وكسرت رباعيته، ودخلت حلقتا المغفر في وجنتيه.
فما بالنا لا نتأمل في ذلك؟ فكل ما يجري له أسبابه وعلله الواضحة التي يبصرها بمقياس الإيمان ونور القرآن يبصرها كل مسلم مؤمن ذي قلب حي وعقل راشد وفطرة سليمة.