من أهم المسائل في قضية الجرح والتعديل: مسألة المعرفة بمدلولات الألفاظ، وهي مشكلة خطيرة، تجد الإنسان يقول كلمة: فلان فيه كذا، وهو لا يعلم ما مضمونها، وعندما تحللها وتبين له أن هذه الكلمة قد تدل على كفر أو نحوه يقول: لا، أنا لم أقصد بها هذا، ما دمت لا تقصد بها هذا، فاعلم كلامك واعلم مدلولاته، ولا تلقي الكلام على عواهله، ولذلك تجد من السابقين والمتقدمين من الأئمة والأجلاء من قد يكون في ترجمته، بأنه كان من المرجئة، أو بأنه كان يتشيع، فليست هذه الكلمة على إطلاقها لها دلالة واحدة، فينبغي أن يعرف المدلول الذي تنتظمه هذه الكلمة، فإنه قد أطلق نوع من الإرجاء سمي إرجاء أهل السنة، وليس هو الذي فيه المذمة والمغبة، لأنه كان فقط مصادمة للخوارج، كان إرجاؤهم المقصود به إرجاء أهل الكبائر إلى الله سبحانه وتعالى، وعدم الحكم بتكفيرهم، فليس في وصف هذا بكونه مرجئاً شيئاً من ذلك.
وكذلك كان يوصف الأئمة من السلف من أهل الكوفة بشيء من التشيع، وليس مقصودهم به التشيع الغالي، وإنما كون بعضهم كان يقدم علياً على عثمان، وهو من أقوال بعض أهل السنة، فينبغي أن يعرف الموطن أو الكلمة وما مدلولها، ومثل ذلك أيضاً كلمة الصوفية، فإنها قد تشمل الحلول والاتحاد وهو من أعظم الكفر، بل هو أكفر من كفر النصارى كما ذكره ابن أبي العز، وقد يكون مقصود المتكلم بها أحياناً مزيد الحرص على العبادة، ومزيد الزهد في الدنيا، ومزيد المواظبة على الأذكار مما قد لا يكون فيه بأس أبداً، أو يكون الغلط فيه يسير لا يقارن بما يكون مخرجاً عن الملة أو موجباً لكفر أو مقرباً إلى خطر عظيم، فينبغي التنبه لهذه المسألة، وهي من المسائل المهمة.