وثمة مسألة أخرى تقال هنا، وهي الإتقان، فليس أداء الواجب بأدنى الدرجات، بل ينبغي الحرص فيه على أعلاها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما روت عائشة رضي الله عنها: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه).
وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) فينبغي لمن يتصدى لذلك أن يعلم أنه لا يلزمه القيام بالواجب فحسب، بل الإتقان فيه والحرص على أعلى المراتب، وحسبنا ما فعل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عندما تولوا المسئوليات الكبرى، فقد تولى أبو بكر الخلافة وقال قولته المشهورة: (وليت عليكم ولست بخيركم، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليكم) وقوله: (إنما وليت بقولكم ورأيكم واجتماع كلمتكم) وفيه إشارة إلى أن قول أهل الحق والإسلام في أمر يكون به مثل ذلك.
وعمر رضي الله عنه كان يفعل ويفعل ويفعل ثم يقول: (والله لو عثرت بغلة في العراق لخشيت أن يسألني الله لم لم تسو لها الطريق؟!) إن كنت تريد أن تتصدى لمسئولية عامة فتذكر هذه الأمثلة، وتذكر الذين سهروا ليلهم ونهارهم وكان أمر المسئولية يؤرق نومهم ويقض مضاجعهم إخلاصاً لله ورعاية لمصالح الناس، واستشعاراً للمسئولية وحرصاً على الإتقان.
نسأل الله جل وعلا أن يوفقنا جميعاً لطاعته ومرضاته، وأن يأخذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد، وأن يلهمنا الرشد والصواب.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم وفقنا للصالحات واصرف عنا السيئات، واغفر لنا ما مضى وما هو آت، وأنزل علينا الرحمات وأفض علينا البركات، وضاعف لنا الحسنات وارفع لنا الدرجات، وامح عنا السيئات وكفر عنا السيئات برحمتك يا رب الأرض والسماوات! اللهم إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى، اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا هداةً مهديين، اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، اللهم ألفِّ على الحق قلوبنا، وثبت على طريقه أقدامنا، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا نادمين برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك الصالحين، وأن تكتبنا في جندك المجاهدين، وأن تجعلنا من ورثة جنة النعيم! اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس راية الكفرة والملحدين، اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء! اللهم انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين! اللهم الطف بعبادك المؤمنين المضطهدين والمعذبين والمشردين والمبعدين والأسرى والمأسورين في كل مكان يا رب العالمين! اللهم اجعل لنا ولهم من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، أرنا فيهم عجائب قدرتك وعظيم سطوتك، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، اللهم ردهم على أعقابهم خائبين، نكس راياتهم، وأذل أعناقهم، وسود وجوههم، واجعلهم عبرة للمعتبرين، وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.
اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم احفظ بلاد الحرمين من كل سوء ومكروه، اللهم احفظ عليها سلمها وإسلامها، وأمنها وإيمانها، ورزقها ورغد عيشها، اللهم ولِّ علينا خيارنا ولا تول علينا شرارنا، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
وفق اللهم ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء.
اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على نبيك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.